بيان أهوال يوم القيامة
الآيات [١ ـ ٢٤]
قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (١) ، فأمر الناس بتقواه ، وحذّرهم من أهوال الساعة التي يبلغ من شدتها أن تذهل بها كل مرضعة عمّا أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، ويرى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكنّ عذاب الله شديد.
ثم ذكر سبحانه ، أن من الناس من يجادل في دين الله تقليدا من غير علم ، فينكرون تلك الأهوال ، ويرتابون في بعثهم بعد موتهم ، وردّ عليهم بأنه خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير مخلقة ، إلى غير هذا مما ذكره في سلسلة خلقهم ، ومن يقدر على هذا ، يقدر على أن يبعثهم كما خلقهم ، ولا يصح لهم معه أن يرتابوا في الساعة وأهوالها.
ثم ذكر ، جلّ وعلا ، أن من الناس من يجادل في ذلك عنادا وكبرا ، وهم رؤساء الذين أنكروه فيما سبق تقليدا ، وأن منهم منافقين لا يجادلون في ذلك ، ولكنهم لا يعتقدون في الثواب والعقاب ، فيعبدون الله على حرف ، أي على قلق واضطراب. فإن أصابوا خيرا دنيويّا من الغنائم ونحوها اطمأنوا به ، وإن أصابهم شر أظهروا ما عندهم من النفاق ، فيخسرون دنياهم وآخرتهم ، ويدعون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ؛ ثم ذكر سبحانه أنه يدخل الذين آمنوا بذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ، وأنه ينصرهم في الاخرة والدنيا. وإذا كان أعداؤهم يظنون أنه لا ينصرهم فليفعلوا ما في وسعهم لمنع ذلك النصر ، فإن كيدهم لا يذهب ما يغيظهم.
ثم انتقل السّياق إلى طريق آخر في إثبات ما ينكرونه من ذلك ، فذكر اختلاف الناس في الدنيا إلى مؤمنين ويهود وصابئين ونصارى ومشركين ، وأنه لا بد من أن يفصل الله سبحانه ، بينهم في ذلك الخلاف ، لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، فيفصل بواسع علمه فصلا عادلا بينهم ، ولأنه يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ، وكثير من الناس وكثير حقّ عليه العذاب ، فلا بد من الفصل في هذا بينهم. ثم ذكر ما يحكم به على فريقي المؤمنين والكافرين من الذين اختلفوا