قوله تعالى : (وَوَجَدَ اللهَ) استعارة ومجاز. والمعنى : فوجد وعيد الله سبحانه ، عند انتهائه إلى منقطع عمله السيّئ ، فكاله بصواعه ، وجازاه بجزائه. وذلك يكون يوم المعاد ، وعند انقطاع تكليف العباد.
وقد قيل أيضا : إنّ الضمير في قوله تعالى : (عِنْدَهُ) يعود إلى الكافر لا إلى عمله ، فكأنّه تعالى قال : فوجد الله قريبا منه ، أي وجد عقابه مرصدا له ، فأخذه من كثب ، وجازاه بما اكتسب. وذلك كقول القائل : الله عند لسان كل قائل. أي يجازيه على قول الحق بالثواب ، وعلى قول الباطل بالعقاب. والقولان جميعا يؤولان إلى معنى واحد.
وقوله سبحانه : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) [الآية ٤٣].
وهذه استعارة على بعض التأويلات. لأنّ الجبال هاهنا ، يراد بها السحاب الثّقال ، تشبيها لها بكثائف أطوادها ، ومشارف هضابها. ويكون الضمير في قوله سبحانه : (مِنْ جِبالٍ فِيها) عائدا على السماء ، لا على الجبال. فكأنّ التقدير : وينزّل من جبال من السماء من برد ، يريد من السحاب المشبّهة بالجبال. وتكون الفائدة في قوله تعالى : (مِنْ جِبالٍ) في السماء ، تخصيص تلك الجبال من جبال الأرض ؛ لأنّا لو جعلنا الضمير الذي فيها عائدا على الجبال ، أوهم أنها جبال تنزل إلى الأرض من السماء. فإذا جعلنا الضمير عائدا إلى السماء أمن الالتباس ، وكان في ذلك أيضا تعجّب لنا ، من وصف جبال في السماء على طريق التشبيه ؛ لأنّ الجبال على الحقيقة لا تكون إلا في قرارات الأرض ، وصفحات التّرب.
وقوله سبحانه : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [الآية ٤٤] وهذه استعارة. والمراد بها طرد النهار بالليل ، وطرد الليل بالنهار. فكنى عن ذلك سبحانه باسم التقليب. وليس المراد تقليب الأعيان (٢) ، بل تغاير الأزمان.
__________________
(٢). أي ليس المراد التقليب المادي للأشياء العينية الذاتية.