تنزيل القرآن للإنذار
الآيات [١ ـ ٤٠]
قال الله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (١) ، فذكر أنه نزّل القرآن ليكون نذيرا للناس كافة ، ووصف نفسه بأربعة أنواع من صفات الكبرياء ، ليدل على قدرته على تحقيق إنذاره ، فذكر ملكه للسماوات والأرض ، وتنزّهه عن الولد والشريك ، وخلقه كلّ شيء وتقديره له. ثم شرع في ذكر ما أوردوه على ذلك من شبه ، فذكر شبهتهم الأولى وهي قولهم كما ورد في التنزيل : (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) [الآية ٤] ، وردّ عليه بأنه ظلم وزور ، لأنه تحدّاهم به فلم يمكنهم أن يأتوا بمثله ، ولو كان من عنده لأمكنهم أن يأتوا به.
ثم ذكر شبهتهم الثانية وهي زعمهم بأنّه أساطير الأولين اكتتبها. ورد عليها بأن الذي أنزله هو الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، ومثله ينزل الحقائق لا الأساطير.
ثم ذكر شبهتهم الثالثة وهي زعمهم بأن من يرسل للإنذار لا يكون بشرا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وأنه كان يجب أن ينزل إليه ملك ينذر معه ، أو يلقى إليه كنز ، أو تكون له جنة يأكل منها ؛ ودعواه الرسالة ، من غير ذلك ، تدلّ على أنه رجل مسحور لا يصحّ اتّباعه ، وردّ سبحانه ، على هذا بأنه إن شاء جعل له في الاخرة جنّات وقصورا خيرا مما ذكروه من نعم الدنيا ، ولكنهم يكذّبون بالساعة فلا يرجون ثوابا ولا عقابا ؛ ثم ذكر ما أعد لهم فيها من العذاب ، وما وعد المتقين فيها من نعيم وثواب ، وما يكون من تبرّؤ آلهتهم منهم فيها ، وعاد السياق بعد هذا إلى الرد على هذه الشبهة بأن الله سبحانه ، لم يرسل قبل هذا إلا رسلا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
ثم ذكر شبهتهم الرابعة وهي زعمهم أنه كان يجب أن ينزل عليهم ملائكة تشهد بصدقه فيما ينذر به ، أو يروا ربّهم فيخبرهم بأنه أرسله لإنذارهم. ورد على هذا بأنه تعنّت ظاهر وعتوّ كبير ، وبأن ما طلبوه من ذلك سيرونه يوم القيامة ، ولكنهم يلقون منه ما يكرهون ، ويلقى المؤمنون فيه ما يحبّون ؛ ثم ذكر ما يكون من ندمهم على كفرهم ، ومن تمنّيهم أن لو كانوا اتّخذوا مع الرسول سبيلا ، ولم يسمعوا