المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الفرقان» (١)
ظهر لي بفضل الله تعالى ، أن نسبة هذه السورة الى سورة النور ، كنسبة سورة الأنعام إلى «المائدة».
من حيث أن «النور» قد ختمت بقوله سبحانه : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ٦٤] ، كما ختمت «المائدة» بقوله جلّ وعلا : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) [الآية ١٢٠].
وكانت جملة «النور» أوجز من جملة «المائدة» ، ثم فصّلت هذه الجملة في سورة الفرقان ، فافتتحت بقوله تعالى : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ٢] ، إلى قوله سبحانه من الآية نفسها : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢)). كما افتتحت «الأنعام» بمثل ذلك (٢). وكان قوله تعالى عقبه : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [الآية ٣] إلى آخره ، نظير قوله هناك : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١) [الأنعام].
ثم ذكر في هذه السورة جملة من المخلوقات ، كمدّ الظل ، والليل ، والنوم ، والنهار ، والرياح ، والماء ، والأنعام ، والأناسي ، ومرج البحرين ، والإنسان ، والنسب ، والصّهر ، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام ، والاستواء على العرش ، وبروج السماء ، والسّراج ، والقمر ، إلى غير ذلك ، مما هو تفصيل لجملة : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣). كما فصّل
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). افتتاح الأنعام قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ).
(٣). جميع هذه المعاني جاءت في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) الى قوله جلّ وعلا : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (٦١).