المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الفرقان» (١)
في قوله تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) (١٢) استعارتان. إحداهما قوله سبحانه : (إِذا رَأَتْهُمْ) وهو في صفة نار جهنّم ، نعوذ بالله منها ، ولا تصحّ صفة الرّؤية عليها. وإنما المراد ، والله أعلم ، إذا كانت منهم بمقدار مسافة لو كان بها من يوصف بالرؤية لرءاهم. وهذا من لطائف التأويل ، وغرائب التفسير.
وقد يجوز أيضا أن يكون معنى ذلك : إذا قربت منهم ، وظهرت لهم. من قولهم : دور بني فلان تتراءى. أي تتقارب. وفي الحديث : (لا تتراءى ناراهما) (٢) أي لا تتدانى.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه :
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). الحديث بأكمله في «صحيح أبي داود» الجزء الأول ، باب على ما يقاتل المشركون ، كتاب الجهاد ، ص ٢٦١ ، ونصه : «حدثنا هناد بن السرى ثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله. قال : بعث رسول الله (ص) سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود ، فأسرع فيهم القتل قال : فبلغ ذلك النبي (ص) ، فأمر لهم بنصف العقل ، وقال : أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا يا رسول الله لم؟ قال : لا تتراءى ناراهما» وفي سنن النسائي ج ٢ ص ٢٤٥ ، جاء هذا الحديث في باب القود بغير حديدة ، كتاب القسامة. وقد أورد المؤلف هذا الحديث في كتابه «المجازات النبوية» ، وتحدث عما فيه من مجاز حديثا رائعا. صفحة ٢٠٠ من المجازات النبوية ، طبعة القاهرة سنة ١٣٥٦ سنة ١٩٣٧ ، وجاء هذا الحديث في «لسان العرب» وفسره صاحب اللسان ثم قال : وقال أبو عبيد : معنى الحديث أن المسلم لا يحل له أن يسكن بلاد المشركين ، فيكون معهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه.