يبالغ في الحزن على تكذيبهم به ، وذكر أنه إن يشأ ينزل عليهم آية عذاب تخضع لها أعناقهم ، وأنه سوف يأتيهم أنباء ما يستهزئون به من إنذارهم بوقوع العذاب عليهم ، ثم أثبت ذلك بأمرين : أولهما ما يرونه من إنباته في الأرض كلّ زوج كريم ، ففي ذلك آية من آيات القدرة الإلهية على تحقيق إنذاره لهم ، ثم ذكر أنه عزيز لا يعجز عن تعذيبهم ، وأنه رحيم يملي برحمته لهم. وثانيهما ما حصل من ذلك ، للأمم قبلهم ، وقد ذكر في هذا السياق موسى مع فرعون ، وقصة إبراهيم مع أبيه وقومه ، وقصة نوح مع قومه ، وقصة هود مع عاد ، وقصة صالح مع ثمود ، وقصة لوط مع قومه ، وقصة شعيب مع أصحاب الأيكة ، وقد ذكرت هذه القصص قبل هذه السورة ، ولكنها هنا تخالف ما سبق منها في سياقها ، وفي بعض زيادات فيها وتغييرات في أسلوبها ، ومن هذا تذييل كل قصة منها بما يبيّن الغرض من ذكرها ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩).
إثبات تنزيل القرآن
الآيات [١٩٢ ـ ٢٢٧]
ثم قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٩٢) فذكر بعد تهديدهم على تكذيبه أنه تنزيله ، وأن جبريل روحه الأمين نزل به على رجل منهم لينذرهم بلسانهم ، ثم أثبت ذلك بما جاء من البشارة به في كتب الأولين ، وبشهادة علماء بني إسرائيل بصدقه ، وذكر أنه لو نزّله على بعض الأعجمين فقرأه عليهم لم يؤمن به أحد منهم ، لنزوله بغير لسانهم.
ثم ذكر تمكّن التكذيب به في قلوب المجرمين من المشركين ، وأنهم لا يؤمنون به حتى يأتيهم ما ينذرهم به من العذاب الأليم ، ثم وبّخهم على استعجالهم ذلك العذاب الأليم ، وذكر أنه سيمتّعهم سنين قليلة ، ثم يأخذهم به فما يغني عنهم شيئا ما تمتّعوا به ، وأنه لا يهلك قرية إلا بعد إنذارهم ، ليكون إهلاكها تذكرة وعبرة لغيرها.
ثم أبطل ما يذكرونه من أنه من إلقاء الشياطين كسائر ما يلقونه على الكهّان والشعراء ، فذكر أنه لم تتنزّل به الشياطين ، لأن مثله مما لا يستطيعه مثلهم ، ولأنهم معزولون عن السمع فلا