المبحث الخامس
لغة التنزيل في سورة «الشعراء» (١)
١ ـ وقال تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤).
فقالوا : كيف صح مجيء «خاضعين» خبرا عن «الأعناق»؟
الجواب : أصل الكلام : فظلّوا لها خاضعين فأقحمت «الأعناق» لبيان موضع الخضوع.
وقرئ : (فظلّت أعناقهم لها خاضعة).
أقول : والقراءة الصحيحة التي توافق العربية القراءة الأخيرة ، غير أني أرى أن في القراءة المثبتة في المصحف ، وهي موضع درسنا ، مراعاة للتناسب في فواصل الآيات ، فقد بنيت هذه الفواصل على أن تنتهي بالنون في كلمات موزونة على بناء واحد أو متشابه وهي : مؤمنين ، خاضعين ، معرضين ، يستهزئون ، كريم ، رحيم ، مؤمنين ، ظالمين.
أقول أيضا : إن مراعاة التناسب في الأصوات والأوزان متطلّبة في آي القرآن ، ألا ترى أن قوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (٨٧) [البقرة] ، قد جاء في هذا السياق؟.
فتقديم المفعول على (تقتلون) ، يخدم ما أشرنا إليه لإحكام النظم وحسن الأداء ، وإحداث الأثر في النفوس.
٢ ـ وقال تعالى : (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) [الآية ٢٤].
أقول : إن احتساب السماوات
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «بديع لغة التنزيل» لإبراهيم السامرّائي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، غير مؤرّخ.