المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الشعراء» (١)
قوله سبحانه : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (٦١) وهذه استعارة. والمراد بها : العبارة عن التقارب والتداني. وإنما قلنا إن اللفظ مستعار ، لأنه قد يحسن أن يوصف به الجمعان ، وإن لم ير بعضهم بعضا بالموانع ، من مثار العجاج ، ورهج الطراد. لأن المراد به تقارب الأشخاص ، لا تلاحظ الأحداق ، وذلك كقولهم في الحيّين المتقاربين : تتراءى ناراهما. أي تتقابل وتتقارب ، لكون النارين بحيث لو كان بدلا منهما إنسانان لرأى كل واحد منهما صاحبه. وقد أومأنا إلى ذلك فيما مضى (٢).
ويقال أيضا : «قوم رئاء» ، على وزن فعال أي يقابل بعضهم بعضا. وكذلك «بيوتهم رئاء» إذا كانت متقابلة. ذكر ذلك أحمد بن يحيى ثعلب (٣).
ومن هذا الباب الحديث المشهور عن النبي (ص) ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : «أنا بريء من كل مسلم مع مشرك». قيل : ولم يا رسول
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). في الكلام في مجازات سورة الفرقان. الآية رقم ١٢.
(٣). لم نجد لذلك ذكرا في «مجالس ثعلب» التي نشرتها «دار المعارف» بتحقيق الأستاذ عبد السلام محمد هارون. ووجدنا ذلك في «الأساس» للزمخشري. وثعلب هو إمام الكوفيين في النحو واللغة. اشتهر بالرواية والحفظ والصدق ، وكان ثقة. ومات بصدمة فرس سقط بسببها في هوة ، فتوفي على الأثر سنة ٢٩١ ه.