المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «النمل» (١)
أقول : وجه اتصالها بما قبلها ، أنها كالتتمّة لها ، في ذكر بقية القرون ، فزاد سبحانه فيها ذكر سليمان وداود (ع). وبسط فيها قصة لوط (ع) أبسط ممّا هي في «الشعراء» (٢).
وقد روينا عن ابن عباس ، وجابر بن زيد ، في ترتيب السور : أن «الشعراء» أنزلت ثم «طه» ، ثم «القصص» ، ولذلك كان ترتيبها في المصحف هكذا.
وأيضا فقد وقع فيها : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [الآية ٧] إلى آخره. وذلك تفصيل قوله تعالى في الشعراء : (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢١) [الشعراء].
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). قصة داود وسليمان (ع) في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) [الآية ١٥] الى (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤) وقصة لوط (ع) في قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) [الآية ٥٤] ، الى (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (٥٨).
وقول المؤلف : إن قصة لوط هنا أبسط منها في الشعراء مخالف للواقع ، فهي في الشعراء أطول ، ولكنها ذكرت في النمل مع بيان أقصى ما وصلوا إليه من الانحلال الخلقي والانتكاس العقلي ؛ إذ عدّوا طهارة لوط من الشذوذ الجنسيّ جريمة يستحق عليها النفي من البلاد. ولم يرد هذا التعليل في الشعراء. فلعلّ البسط في المعاني لا في المقدار.