ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له ولا طمأنينة ، ولو ساندته القوى جميعا.
ويقوم كيان سورة القصص على قصّة موسى (ع) وفرعون ؛ وتعرض السورة ، من خلال هذه القصة ، قوّة فرعون الطاغية المتجبّر اليقظ الحذر ، وفي مواجهتها موسى طفلا رضيعا ، لا حول له ولا قوّة ، ولا ملجأ له ولا وقاية.
وقد علا فرعون في الأرض ، واتّخذ أهلها شيعا ، واستضعف بني إسرائيل ، يذبّح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، وهو على حذر منهم ، قابض على أعناقهم. لكنّ قوة فرعون وجبروته وحذره ويقظته ، لا تغني عنه شيئا ، بل لا تمكّن له من موسى الطفل الصغير المجرّد من كلّ قوّة وحيلة. وهو في حراسة القوّة الحقيقية الوحيدة ، ترعاه عين العناية ، وتدفع عنه السوء ، وتعمي عنه العيون ، وتتحدى به فرعون وجنده ، تحدّيا سافرا ، فتدفع به إلى حجره ، وتدخل به عليه عرينه ، بل تقتحم به عليه قلب امرأته ، وهو مكتوف اليدين إزاءه ، مكفوف الأذى عنه ، يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه.
* * *
لقد طمعت آسية (ع) ، أن يكون موسى (ع) وليدا لها ، تتبنّاه مع زوجها فرعون ، فقالت لفرعون كما ورد في التنزيل :
(قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٩).
وهكذا دبّر الله ، سبحانه ، أن يتربّى موسى (ع) في بيت فرعون ، وأن يؤتى الحذر من مكمنه ؛ ولمّا حرّم الله تعالى المراضع على موسى ، جاءت أمه كمرضع له ، وأرضعته في بيت فرعون ، وصار فرعون يجري عليها كلّ يوم دينارا من الذهب ، وفي الحديث يقول النبي (ص) : «مثل المؤمن كأمّ موسى ترضع ولدها ، وتأخذ أجرتها» (١).
موسى في سنّ الرجولة
بلغ موسى (ع) أشدّه ، واستكمل نيّفا
__________________
(١). أي : المؤمن يعبد الله ، فيستفيد من العبادة نظافة القلب ، وثقة النفس ، وثبات اليقين ، وهدوء البال ، وصحة الجسم والروح. ثم ينال ثواب العبادة ، في جنّة عرضها السماوات والأرض ، يوم القيامة. وبذلك ينال أجره مضاعفا : مرّة في الدنيا ، ومرّة في الاخرة.