المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «القصص» (١)
أقول : ظهر لي بعد الفكرة : أنه سبحانه ، لما حكى في سورة «الشعراء» قول فرعون لموسى : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) [الشعراء] ، إلى قول موسى (ع) كما ورد في سورة نفسها : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢١) ، ولما حكى ، سبحانه ، قول موسى لأهله ، كما ورد في سورة «النمل» : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [النّمل : ٧] ، وكان ذلك على سبيل الإشارة والإجمال ، بسط في هذه السورة ما أو جزه في السورتين ، وفصّل ما أجمله فيهما على حسب ترتيبهما. فبدأ بشرح تربية فرعون لموسى ، وبيّن : علوّ فرعون ، وذبح أبناء بني إسرائيل الموجب لإلقاء موسى عند ولادته في اليم ، خوفا عليه من الذبح ؛ وبسط القصة في تربيته ، وما وقع فيها إلى كبره ؛ إلى السبب الذي من أجله قتل القبطي ، والموجب لفراره إلى مدين (٢) ؛ إلى ما وقع له مع شعيب (ع) ، وتزوّجه بابنته ، إلى أن سار بأهله ، وآنس من جانب الطور نارا ، فقال لأهله كما ورد في التنزيل : (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) [الآية ٢٩] ؛ إلى ما وقع له فيها من المناجاة لربّه ،
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). مدين : مدينة قوم شعيب (ع) ، وهي تجاه تبوك ، على بحر القلزم ، وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب (مراصد الاطّلاع ٣ : ١٢٤٦).