فهي ظرف مكان ، والمعنى : ولما توجّه نحو مدين ...
أقول : وليس لنا هذا الاستعمال في العربية المعاصرة ، أي : كونها ظرفا. والذي نعرفه من «تلقاء» أنها مصدر ، يستعمل نحو قولهم مثلا : واعترف من تلقاء نفسه ، أي : أنه اعترف من دون إكراه أو إجبار أو شيء آخر.
٦ ـ وقال تعالى : (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) [الآية ٢٣].
أقول : والرّعاء جمع راع ، وهو من الجموع العزيزة في عصرنا ، ذلك أنّنا لا نعرف إلا «الرّعاة» في العربية المعاصرة. ومفعول «يصدر» محذوف ، تقديره : ماشيتهم.
٧ وقال تعالى : (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [الآية ٣٥].
والمعنى : سنقوّيك به ، ونعينك.
ويقال : شدّ الله في عضدك ؛ وضدّه : فتّ الله في عضدك. والعضد : الساعد من المرفق إلى الكتف.
أقول : وقد أفادت العربية من العضد في هذا المعنى ، فقالوا : عضد يعضد ، بمعنى أعان وأيّد.
والإفادة من أعضاء الجسم في توليد المعاني كثيرة ، فقالوا : أيّد من اليد ، وأنف من «الأنف» ، وفاه من «فوه» ، وعاين من «العين» ، وغير ذلك كثير.
٨ ـ وقال تعالى : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) [الآية ٤٧].
أقول : جاءت «لولا» أداة تحضيض ، مثل «هلّا» ، فاستحقّت الفعل بعدها.
وهذه من الأدوات التي افتقدناها في العربية المعاصرة ، على أنّ استعمالها كثير على هذا النحو في القرآن.
٩ ـ وقال تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً) [الآية ٥٧].
أي : أن الله ، جلّ وعلا ، جعل لهم من الحرم مكانا آمنا.
وجاء قوله تعالى : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) ، وقرئ : تجبى.
أما القراءة المشهورة المثبتة ، فقد غلّب فيها التذكير ، لأن «الثمرات» وإن كانت مؤنثة فهي عامة ، تشمل أجناس النبات كلّها ، وأصناف الخير كلّها ، فضلا عن أنها مؤنث مجازي ، وأنها مفصولة عن فعلها.
١٠ ـ وقال تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) [الآية ٥٨].