المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «القصص» (١)
قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) [الآية ١٠].
وقد تقدّم الإيماء إلى معنى ذلك ، بذكر نظيره في السورة التي يذكر فيها إبراهيم (ع) ؛ ومعنى «فارغا» ، أي : قد خلا من صبر ، وثبات ، وتماسك ، ووقار ، لفرط الجزع ، والأسف ، وشدّة الارتماض (٢) والقلق ؛ وحسن وصف القلب بالفراغ من الأشياء التي ذكرنا ، وإن كان مملوءا بأضدادها ، لأنّ تلك الأشياء من المحمودات ، وأضدادها من المذمومات ؛ والممتلئ من الأشياء المذمومة كالفارغ ، إذا كان امتلاؤه ممّا لا فائدة فيه ، ولا عائدة له. وقوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [الآية ٣٢].
وهذه استعارة ، والجناح هاهنا عبارة عن اليد ؛ وقد أشرنا إلى الكلام على نظيره فيما تقدّم ، وقيل معنى ذلك ، أي : سكّن روعك ، وخفّض جأشك من الرهب الذي أصابك ، والرعب الذي داخلك ، عند انقلاب العصا في هيئة الجان ؛ ولمّا كان من شأن الخائف القلق والانزعاج والتململ والاضطراب ، صار ضمّ الجناح عبارة عن السكون بعد القلق ، والأمان بعد الغرق ؛ فأما قوله تعالى في صدر هذه الآية : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). من رمض : الرّمض : حرقة القيظ ، ارتمض لفلان أي حزن له ، الرّماضة : الحدّة وشدّة الوقع.