المبحث الأول
أهداف سورة «العنكبوت» (١)
سورة العنكبوت سورة مكّية ، نزلت بعد سورة الروم ، وآياتها ٦٩ آية. وقد نزلت سورة العنكبوت ، في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين في مكّة ، قبل الهجرة ؛ وكانت هذه الفترة ، من أقسى الفترات ، ولذلك تعرّضت السورة لتثبيت المؤمنين على الإيمان ، وبيان أن هناك ضريبة يدفعها المؤمن ، هي الفتنة ، والامتحان بالإيذاء ، أو بالإغراء ، أو بالوعد ، أو بالوعيد.
وتناولت السورة قصص الأنبياء السابقين ، وجهادهم ، وبلاءهم ، ثمّ إهلاك الكافرين ، وانتصار المؤمنين ؛ وسمّيت سورة العنكبوت بهذا الاسم ، لتكرّر ذكر العنكبوت فيها في قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١).
وفي المصحف المطبوع بالقاهرة ، المتداول بين الناس ، نجد في عنوان السورة : سورة العنكبوت مكيّة ، إلّا من الآية ١ إلى الآية ١١ ، فمدنية.
وقد رجّحت اللجنة المشرفة على طبع المصحف الرأي القائل : بأنّ الإحدى عشرة آية الأولى مدنية ، وذلك لذكر الجهاد فيها .... وذكر المنافقين.
وعند التأمّل يترجّح لدينا ، أن السورة كلّها مكّية ؛ أما تفسير الجهاد فيها ، فمرجعه أنها واردة بصدد الجهاد ضدّ الفتنة ، أي جهاد النفس ، لتصبر ولا
__________________
(١). انتقي هذا الفصل من كتاب «أهداف كلّ سورة ومقاصدها» ، لعبد الله محمود شحاته ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٧٩ ـ ١٩٨٤.