الحكمة في فتنة المؤمنين
في دينهم
الآيات [١ ـ ٤٤]
قال الله تعالى : (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢) فنهى تعالى المؤمنين ، أن يظنوا أنهم يتركون من غير أن يفتنوا في دينهم ؛ وذكر سبحانه أن تلك سنّته في كلّ من آمن قبلهم ، وأنه يفعل ذلك ليتبيّن الصادق في إيمانه من الكاذب فيه ؛ ثم هدّد الذين يفتنونهم ، بأنهم لا يمكنهم أن يفلتوا من عقابه على فتنتهم ؛ وذكر ، أنّ لذلك أجلا ، يعلم من يرجو لقاءه أن لا يتخلّف عنه ؛ ثم ذكر عزوجل ، أنّ من جاهد ما يلقاه في دينه من الفتنة بالصبر عليه ، فإنّما يجاهد لنفسه ، لأنّ الذين يعملون الصالحات يجازون عليها بأحسن منها ؛ ثمّ ذكر من الفتنة في الدّين ما كان يفعله الآباء من محاولة صرف أبنائهم عن دينهم ، ووصّى الأبناء بطاعة الآباء ، إلّا في محاولة ردّهم إلى الشرك ؛ ثمّ ذكر أنّ من الناس من يؤمن بلسانه ولا يصل الإيمان إلى قلبه ، فإذا فتن في دينه لم يصبر على ما يصيبه فيه ، واختار الاحتراز عمّا يوقعه في الأذى ، فإذا جاء نصر الله ذكر للمؤمنين أنه كان معهم ، والله أعلم منه بما كان يخفيه من نفاقه ؛ ثمّ ذكر من الفتنة في الدين ، أنّ الكفّار كانوا يقولون لمن آمن منهم (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [الآية ١٢] يريدون ، بذلك ، أنه لا خطيئة في رجوعهم إلى الكفر ، وأنّه لا معاد يحاسبون فيه على ذلك ؛ وقد أجابهم سبحانه ، بإثبات أن هناك معادا يحملون فيه خطاياهم ، وخطايا من حملوهم على الكفر ، ويسألون فيه عمّا يفترون ، من إنكار المعاد والحساب.
ثمّ انتقل جلّ وعلا إلى ذكر من فتنوا قبلهم من المؤمنين ، فصبروا ، فنصرهم الله على من فتنوهم ؛ فذكر أنه أرسل نوحا (ع) إلى قومه ، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما ، ثمّ أخذهم بالطوفان ، ونجّاه ومن آمن به ؛ وأنّ إبراهيم (ع) ، أمر قومه أن يعبدوا الله ويتّقوه ، وبيّن لهم فساد ما يعبدونه من الأوثان ، إلى غير هذا ممّا ذكره في دعوتهم ؛ ثم ذكر سبحانه أنّ جوابهم له ، كان أن أمروا بقتله أو تحريقه ، فنجّاه الله من النار التي ألقوه فيها ، وكان في ذلك دلالة على قدرته تعالى ؛