(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١).
فيدلّ هذا البدء الفريد ، على مدى اهتمام القرآن ، بالعنصر الأخلاقي في الحياة ، ومدى عمق هذا العنصر ، وأصالته في العقيدة الإسلامية ، وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية ...
والمحور الذي تدور عليه السورة كلّها : محور التربية ، التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود ، وترقّ إلى درجة اللمسات الوجدانية الرقيقة ، التي تصل القلب بنور الله.
والهدف واحد في الشدّة واللين : تربية الضمائر ، واستجاشة المشاعر ، ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة ، حتى تشف وتتّصل بنور الله.
وتتداخل الآداب النفسية الفردية ، وآداب البيت والأسرة ، وآداب الجماعة والقيادة ، بوصفها نابعة كلّها من معين واحد ، هو العقيدة في الله ، متّصلة كلّها بنور واحد ، هو نور الله.
فقرات السورة
يجري سياق سورة النور في خمس فقرات :
الفقرة الأولى :
تتضمّن الفقرة الأولى الإعلان الحاسم الذي تبدأ به ، ويليه بيان حدّ الزنا ، وتفظيع هذه الفعلة ، وتقطيع ما بين الزّناة والجماعة المسلمة ، فلا هي منهم ولا هم منها ، ثم بيان حدّ القذف وعلّة التشديد فيه ، واستثناء الأزواج من هذا الحدّ ، مع التفريق بين الزوجين بالملاعنة ، ثم حديث الإفك وقصّته ، وتنتهي هذه الفقرة ، بتقرير مشاكلة الخبيثين للخبيثات ، ومشاكلة الطيّبين للطيّبات ، وبالعلاقة التي تربط هؤلاء بهؤلاء ؛ وتستغرق هذه الفقرة من أول السورة إلى الآية ٢٦.
الفقرة الثانية :
تتناول الفقرة الثانية وسائل الوقاية من الجريمة ، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية. فتبدأ بآداب البيوت ، والاستئذان على أهلها ، والأمر بغض البصر ، والنهي عن إبداء الزّينة لغير المحارم ، والحضّ على إنكاح الأيامى ، والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء وكلها أسباب وقائية ، لضمانة الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور ، ودفع المؤثرات ،