وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١) فبيّن أنه أنزل هذه السورة وقدّر فيها ما قدر من الحدود والأحكام. وهذه الآية فيها براعة مطلع للغرض من السورة ؛ ثم ذكر تعالى حدّ الزنا ، من جلد كل من الزاني والزانية مائة جلدة ، وحرّم زواج الزاني على المؤمنة العفيفة ، وزواج الزانية على المؤمن العفيف.
حكم القذف
الآيات [٤ ـ ٢٦]
ثم قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤) فذكر حدّ القذف ، وهو ثمانون جلدة ، ثم ذكر أن من يقذفون أزواجهم بالزنا ، وليس لديهم أربعة شهداء على زناهنّ ، يلاعن كلّ منهم الاخر ، فيدرأ لعانه حدّ القذف عنه ، ويدرأ لعانها حدّ الزنا عنها ، وهذا من فضله تعالى ورحمته بهما.
ثم ذكر ، سبحانه ، أنّ حديث الإفك كان شرا كبيرا ، وأوعد الذي تولّى كبره بعذاب عظيم يوم القيامة ، ولام من استمعه من المؤمنين ولم يزجر من قاله ، ثم وعظهم ألّا يعودوا إلى مثله إن كانوا مؤمنين ، وأنذر الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين ، بعذاب أليم في الدنيا والاخرة ، ونهاهم عن اتّباع خطوات الشيطان ، لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر ؛ وذكر لهم سبحانه ، أنه ، لو لا فضله عليهم ، لأوقعهم الشيطان في هتك أعراضهم ، فلا يزكو أحد منهم أبدا ؛ ثم أمرهم أن يعاملوا القاذفين بعد إقامة الحدّ عليهم بالعفو والصفح ، فمن كان منهم فقيرا أو كانت له قرابة بالمقذوف وأهله ، فليمضوا في الإحسان إليه ، ولا يقطعوه عنه ؛ ثم عاد إلى إنذار من يقذف المحصنات الغافلات ، باللعن في الدنيا والاخرة ، وبعذاب عظيم ، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ، بما كانوا يعملون ، ثم ختم ذلك بدليل قاطع في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهو أن الخبيثات يكنّ أزواجا للخبيثين والعكس أيضا يكون ، والطيبات يكن أزواجا للطيبين والعكس أيضا يكون ، ولو كانت عائشة خبيثة ما اختيرت زوجا للنبي (ص).