المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «النّور» (١)
أقول : وجه اتصالها بسورة «قد أفلح» ، أي سورة «المؤمنون» : أنه لما قال تعالى في الآية الخامسة منها : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (٥) ، ذكر في هذه أحكام من لم يحفظ فرجه ، من الزانية والزاني ، وما اتّصل بذلك من شأن القذف ، وقصّة الإفك ، والأمر بغضّ البصر (٢) ، وأمر فيها بالنكاح حفظا للفروج ، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف ، وحفظ فرجه ، ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا (٣).
ولا ارتباط أحسن من هذا الارتباط ، ولا تناسق أبدع من هذا النسق.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). الزانية والزاني في قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [الآية ٢]. إلى (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣).
وجاء القذف في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [الآية ٤] الى (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠). وهو شامل لأحكام اللّعان.
وقصة الإفك هي التي أرجف بها المنافقون في حقّ أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، حتى برّأها الله تعالى ، بقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) [الآية ١١] الى (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٩).
وجاء غضّ البصر في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [الآية ٣٠] إلى (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١).
(٣). جاء الأمر بالنكاح ، والاستعفاف لغير القادر ، وعدم إكراه الفتيات على البغاء في الآيتين [٣٢ ـ ٣٣].