وجوابه في سورة الحجّ ، في قوله تعالى : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤١)) [الحج].
فإن قيل : ما معنى قولهم. أنت عليّ كظهر أمّي؟
قلنا : أرادوا أن يقولوا أنت عليّ حرام كبطن أمّي ، فكنّوا عن البطن بالظّهر لئلّا يذكروا البطن الّذي يقارب ذكره ذكر الفرج ، وإنما كنّوا عن البطن بالظّهر لوجهين : أحدهما أنّه عمود البطن ، ويؤيّده قول عمر رضي الله تعالى عنه : يجيء أحدهم على عمود بطنه : أي على ظهره. الثاني : أنّ إتيان المرأة من قبل ظهرها كان محرّما عندهم ، وكانوا يعتقدون أنّها إذا أتيت من قبل ظهرها جاء الولد أحول ، فكان المطلّق في الجاهلية ، إذا قصد تغليظ الطلاق ، قال : أنت عليّ كظهر أمي.
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الآية ٦]. جعل أزواج النبي (ص) بمنزلة أمهات المؤمنين حكما : أي في الحرمة والاحترام وما جعل النبي (ص) بمنزلة أبيهم ، حتى قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الآية ٤٠]؟
قلنا : أراد الله بقوله تبارك وتعالى (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) أوّلا : أنّ أمّته يدعون أزواجه بأشرف الأسماء ، وأشرف أسماء النساء الأمّ ، وأشرف أسماء النبي (ص) رسول الله ، لا الأب. ثانيا : أنّه تعالى جعلهنّ أمّهات المؤمنين تحريما لهنّ وإجلالا وتعظيما له (ص) كيلا يطمع أحد في نكاحهنّ بعده ؛ فلو جعل النبي (ص) أبا المؤمنين لكان أبا للمؤمنات أيضا ، فلم يجعل له نكاح امرأة من المؤمنات بل يحرّمن عليه (ع) ، وذلك ينافي إجلاله وتعظيمه ، وقد جعله أعظم من الأب في القرب والحرمة ، بقوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الآية ٦] فجعل (ص) أقرب إليهم من أنفسهم ؛ وكثير من الآباء يتبرّأ من ابنه ويتبرّأ منه ابنه أيضا ، وليس أحد يتبرّأ من نفسه.
فإن قيل : لم قدّم النبي (ص) على نوح (ع) ومن بعده في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [الآية ٧]؟
قلنا : لأنّ هذا العطف من باب عطف الخاصّ على العامّ الّذي هو جزء منه ، لبيان التفضيل والتخصيص بذكر