مشاهير الأنبياء وذراريهم ، فلمّا كان النبي (ص) أفضل هؤلاء المفضّلين قدّم عليهم. وفي الميثاق المأخوذ قولان : أحدهما أنه تعالى أخذ منهم الميثاق يوم أخذ الميثاق بأن يصدّق بعضهم بعضا ؛ والثاني أخذ منهم الميثاق أن يوحّدوا الله تعالى ، ويدعوا إلى توحيده ، ويصدّق بعضهم بعضا.
فإن قيل : فلم قدّم نوح (ع) في نظير هذه الآية ، وهي قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الشورى : ١٣]؟
قلنا : لأنّ تلك الآية سيقت لوصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة ، كأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الّذي بعث عليه نوح (ع) في العهد القديم ، وبعث عليه محمّد (ص) في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسّطهما من الأنبياء المشاهير ، فكان تقديم نوح (ع) أشدّ مناسبة بالمقصود من سوق الآية.
فإن قيل : ما الحكمة من إعادة أخذ الميثاق في قوله تعالى : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧))؟
قلنا : فائدته التأكيد ، ووصف الميثاق المذكور أوّلا بالجلالة والعظم استعاذة من وصف الأجرام به. وقيل إنّ المراد بالميثاق الغليظ ، اليمين بالله تعالى على الوفاء بما حملوا ، فلا إعادة لاختلاف الميثاقين.
فإن قيل : لم قال تعالى في وصف حال المؤمنين الّتي امتنّ عليهم فيها : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الآية ١٠] ولو بلغت القلوب الحناجر لماتوا ولم يبق للامتنان وجه؟
قلنا : قال ابن قتيبة : معناه كادت القلوب تبلغ الحناجر من الخوف ، فهو مثل في اضطراب القلوب ووجيبها. وردّه ابن الأنباري فقال : العرب لا تضمّن كاد ولا تعرف معناه ما لم تنطق به. وقال الفراء : معناه أنهم جبنوا وجزعوا ، والجبان إذا اشتدّ خوفه انتفخت رئته فرفعت قلبه إلى حنجرته ، وهي جوف الحلقوم وأقصاه ، وكذلك إذا اشتدّ الغضب أو الغم ؛ وهذا المعنى مرويّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، ومن هنا قيل للجبان : انتفخ منخره.
فإن قيل : لم ساق الله تعالى عذاب المنافقين بمشيئته بقوله تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) [الآية ٢٤] وعذابهم متيقّن مقطوع به ، لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥]؟