المكذّبين ، وإلزامهم بالحجّة ، وإيقافهم أمام فطرتهم وأمام منطق قلوبهم ، بعيدا عن الغواشي والمؤثّرات المصطنعة (١).
قال تعالى :
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)).
وهكذا تطوف السورة بالقلب البشريّ في مجالات متنوّعة ، وتواجهه بالحقائق والأدلّة والحجج ، حتّى تنتهي بمشهد عنيف أخّاذ من مشاهد القيامة.
فصول السورة
يجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في جولات قصيرة متلاحقة متماسكة ، يمكن تقسيمها إلى ستة فصول :
١ ـ الألوهيّة وإثبات البعث
تحدّثت الآيات التسع الأولى من السّورة ، عن عظمة الخالق المالك لما في السماوات والأرض ، المحمود في الاخرة وهو الحكيم الخبير ، وقررت شمول علمه الدقيق لما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ؛ ثمّ تطرّقت للحديث عن إنكار الكافرين لمجيء الساعة ، وردّت عليهم بتأكيد إتيانها ، لتتمّ إثابة المؤمنين ، وعقوبة الكافرين ، وليستيقن العلماء المؤمنون ، أنّ القرآن حقّ وصدق ، وهداية إلى صراط العزيز الحميد ؛ ثمّ تحدّثت عن عجب الكفّار من قضيّة البعث واستبعادهم لوقوعه ، بعد أن يموتوا ويمزّقوا كلّ ممزّق ؛ وأجابت عن ذلك بأنّه لا وجه لاستبعادهم ، وهم يرون من كمال قدرة الله ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ؛ وهدّدت المكذّبين بخسف الأرض من تحتهم ، أو إسقاط السماء كسفا عليهم.
٢ ـ داود وسليمان
تتناول الآيات [١٠ ـ ١٤] طرفا من قصة داود وسليمان (ع) ، وتذكر نعمة الله عليهما وفضله ، فقد أعطي داود (ع) النبوّة ، والزّبور والصوت الحسن ؛ وإذا سبّح الله سبحت معه الجبال والطير ، وألان الله له الحديد ، وأوحى إليه أن
__________________
(١). انظر في ظلال القرآن ، بقلم سيّد قطب ٢٢ : ٥٣ ـ ٥٦.