٤ ـ الشرك والتوحيد
يجد المتأمل في الآيات [٢٢ ـ ٢٧] من سورة سبأ ظاهرة متميّزة : فقد تكرّرت لفظة «قل» في أول هذه الآيات ، كما تضمّنت عددا من الأسئلة والحقائق بأسلوب رائع جزل.
لقد بدأت الآيات تتحدّى المشركين أن يدعوا الّذين يزعمون أنهم آلهة من دون الله ، وهم لا يملكون نفعا ولا ضرّا ، ولا يملكون شفاعة عند الله ، ولو كانوا من الملائكة. فالملائكة يتلقّون أمر الله بالخشوع الراجف ، ولا يتحدّثون حتّى يزول منهم الفزع والارتجاف العميق. ويسألهم الله عمّن يرزقهم من السماوات والأرض ، والله مالك السماوات والأرض ، وهو الّذي يرزقهم بلا شريك ؛ ثمّ يفوّض أمر النبي وأمرهم إلى الله ، وهو الّذي يفصل فيما هم فيه مختلفون ، ويختم هذا الفصل بالتحدّي كما بدأه ، في أن يروه الّذين يلحقونهم بالله شركاء.
(كَلَّا بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)).
وهكذا تطوف الآيات بالقلب البشري في مجال الوجود كلّه : حاضره وغيبه ، سمائه وأرضه ، دنياه وآخرته ، وتقف به أمام رزقه وكسبه وحسابه وجزائه ؛ ذلك كلّه في فواصل قوية ، وضربات متلاحقة ، وآيات تبدأ كلّ آية منها بفعل الأمر (قل) ، وكل قولة منها تدمغ بالحجّة ، وتصدع بالبرهان في قوة وسلطان.
وفي أعقاب هذه الآيات بيان لرسالة الرّسول (ص) ، وأنها عامّة للناس أجمعين :
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨)).
٥ ـ مشاهد القيامة والجزاء
يستغرق الفصل الخامس من السورة الآيات [٢٩ ـ ٤٢] ويبدأ بسؤال يوجّهه الكفّار للنبيّ (ص) عن يوم القيامة ، استبعادا لوقوعه ، والجواب أنّ ميعاده لا يتقدّم ولا يتأخّر ، وقد اعتزّ الكفار بالأموال والأولاد ، وقالوا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالكتب السابقة له.
وهنا يعرض القرآن موقف الظّالمين أمام ربّهم يتحاورون فيراجع بعضهم بعضا ؛ كلّ منهم يحاول أن يلقي التّبعة على أخيه ، فيقول الضعفاء للسّادة