والأرض ، وجاعل الملائكة رسلا يوصلون آثار قدرته وصنعه ؛ فإذا أرسلهم إلى الناس برحمته فلا معارض له في إرسالها ، وإذا أمسكها عنهم فلا مرسل لها من بعده ؛ ثمّ أمر الناس أن يذكروا ما رحمهم به من النعم ، ليعلموا أنه لا خالق لها غيره ، وأنه هو الرازق وحده ، فإذا لم يؤمنوا بذلك فسوف يكون إليه جلّ وعلا مرجعهم ، ليعاقبهم على كفرهم بما أنعم به عليهم ؛ ثم ذكر سبحانه أن ما وعد به من رجوعهم إليه حقّ لا يصحّ أن تغرّهم عنه أسباب دنياهم ، أو الشيطان الّذي هو عدوّ لهم ، ويزيّن ما يزيّنه لأتباعه ليوقعهم في عذاب ربّهم ؛ ثم ذكر استحقاقهم ذلك العذاب ، وذكر استحقاق المؤمنين للمغفرة والأجر ، وأيّد ذلك بقوله جلّ وعلا : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨)).
آيات تدل على اختصاصه بالحمد
الآيات [٩ ـ ٤٥]
ثمّ قال تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)) فذكر ، ممّا يدل على اختصاصه بالحمد ، إرساله الرياح بالمطر لإحياء الأرض بعد موتها ، وأنّه كما يحيي الأرض بذلك ينشر الموتى من قبورهم ، لأنّه المتفرّد وحده بالعزّة والقدرة ، وإليه تصعد أعمال الناس فيحاسبهم عليها.
ثم ذكر من ذلك خلقه لنا من تراب ، وجعله لنا أزواجا وتفرّده بعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تضع ، وخلقه بحرين أحدهما عذب سائغ شرابه ، وثانيهما ملح أجاج ، ومن كلّ منهما نأكل لحما طريّا ونستخرج حلية نلبسها.
ثمّ ذكر من ذلك ، أنّه هو الّذي يولج اللّيل في النّهار ويولج النّهار في اللّيل ، ويسخّر الشّمس والقمر كلّ يجرى إلى أجل مسمّى ، وأنّ من يكون هذا شأنه يكون هو المتفرّد بالملك والحمد ؛ وأمّا الّذين يدعونهم آلهة ، فلا يملكون شيئا ، لأنّهم جماد لا يسمعون شيئا ، فإذا جاء يوم القيامة ظهر ضعفهم وكفروا بشرك من يعبدونهم. ثمّ ذكر لهم أنّهم فقراء إليه وهو سبحانه غنيّ عنهم ، وإن يشأ يذهبهم ويأت بخلق غيرهم يعرفون فضله عليهم ؛ وأنّ ما