أبيّ بن خلف ، حين جاء بعظم قد رمّ وبلي وصار ترابا ، ثمّ ضغط عليه بيديه ، ونفخ فيه فطار في الفضاء ، ثمّ قال : «يا محمّد تزعم أنّ ربّك يبعث هذا بعد ما رمّ وبلي وصار ترابا» ، فقال له : النبي (ص) «نعم ويبعثك ويدخلك النار» ، قال تعالى :
(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)).
«والقضايا المتعلّقة ببناء العقيدة ، تتكرّر في السور المكّية ، ولكنّها تعرض كلّ مرّة من زاوية معيّنة ، تحت ضوء معيّن ، مصحوبة بمؤثّرات تناسب جوّها ، وتتناسق مع إيقاعها وصورها.
«وهذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة ، بصفة خاصة ، ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها ، ومن مصارع الغابرين على مدار القرون ، ثمّ من المشاهد الكونية الكثيرة ، المتفرعة الموحية : مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة ، ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام ، ومشهد الشمس تجري لمستقرّ لها ، ومشهد القمر يتدرّج في منازله حتّى يعود كالعرجون القديم ، ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرّية البشر الأوّلين ، ومشهد الأنعام مسخّرة للادميين ، ومشهد النطفة وتحوّلها في النهاية إلى إنسان فإذا هو خصيم مبين ، ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار الّتي يوقدون» (٣).
فصول السورة
يجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة فصول :
١ ـ رسالة ورسول
يستغرق الفصل الأول من السورة الآيات [١ ـ ٢٩] ، ويبدأ بالقسم بالحرفين «يا سين» وبالقرآن الحكيم على صدق رسالة النبي (ص) ، وأنّه على صراط مستقيم ، ثم يبيّن أنّ القرآن الكريم منزل من عند الله تعالى ، لإنذار العرب الّذين لم ينذر آباؤهم من قبل فوقعوا فيما وقعوا من الغفلة ، وحقّ العذاب على أكثرهم بسببها ، وقد
__________________
(٣). في ظلال القرآن ٢٣ : ٧.