جرت سنّة الله سبحانه ألّا يعذّب قوما إلّا بعد أن يرسل إليهم من ينذرهم ، ثمّ وصف حرمانهم من الهداية وإمعانهم في الغواية ، كأنّما وضعت أغلال في أعناقهم بلغت إلى أذقانهم ، ووضعت سدود بين أيديهم ومن خلفهم فصاروا لا يبصرون ؛ وبيّن أنّ الإنذار إنّما ينفع من اتّبع الذكر ؛ وخشي الرّحمن بالغيب ، فاستعدّ قلبه لاستقبال دلائل الهدى ، وموحيات الإيمان. ثم يوجّه النبي (ص) إلى أن يضرب لهم مثلا أصحاب القرية.
قصة أصحاب القرية
ضرب الله جلّ جلاله لأهل مكّة مثلا قصّة أهل أنطاكية بالشام ، أرسل سبحانه إليهم رسولين ، هما يوحنا وبولس من حواريّي عيسى (ع) ، فكذّبهما أهل القرية ، فأرسل الله جلّ وعلا ، ثالثا على درجة من الذكاء في توجيه الدّعوة ، واستمرّ التّكذيب من الكافرين ، وبيان الحجة وأدلّة الإيمان من المرسلين. ثمّ جاء رجل مؤمن يسمى «حبيب النجار» فدعا قومه إلى الإيمان بالرسل ، فاتّهموه بأنه مؤمن ، فأعلن إيمانه في ظروف حرجة ، وتعرّض الرجل للإيذاء والقتل ، فحظي بالشهادة والجنّة ، وتمنّى لو أنّ قومه يعلمون منزلته الآن عند الله سبحانه.
أمّا القرية الظالمة فقد صاح بها الملك صيحة أهلكتها ، أفلا يعتبر أهل مكّة بهذه القرية ، وبالقرون الّتي هلكت جزاء كفرها؟ وسيجتمع الجميع أمام الله تعالى يوم القيامة ، ويتميّز المؤمنون بحسن الثواب ، ويحلّ بالكافرين سوء العقاب.
٢ ـ أدلة الايمان
بعد الحديث في الدرس الأول عن المشركين الّذين واجهوا دعوة الإسلام بالتكذيب ، والمثل الّذي ضربه الله لهم في قصة أصحاب القرية المكذّبين ، وما انتهى إليه أمرهم من الهلاك ، بصيحة الملاك ، فإذا هم خامدون ؛ تحدثت الآيات [٣٠ ـ ٦٨] عن موقف المكذّبين بكل ملّة ودين ، وعرضت صور البشرية الضالّة على مدار القرون ، ثم أخذت في استعراض الآيات الكونية ، الّتي يمرّون عليها معرضين غافلين ، وهي مبثوثة في أنفسهم وفيما حولهم.
فالماء الّذي يحيي الأرض بأنواع