سياق السورة
تميّزت سورة «الصافات» بقصر الآيات ، وسرعة الإيقاع ، وكثرة المشاهد والمواقف ، وتنوّع الصور والمؤثّرات.
وهي تستهدف ، كسائر السور المكّيّة ، بناء العقيدة في النفوس ، وتخليصها من شوائب الشّرك في كلّ صوره وأشكاله ، ولكنّها بصفة خاصّة تعالج صورة معيّنة من صور الشّرك ، الّتي كانت سائدة في البيئة العربيّة الأولى ، وتقف أمام هذه الصورة طويلا ، وتكشف عن زيفها وبطلانها بوسائل شتّى. تلك هي الصورة الّتي كانت جاهليّة العرب تستسيغها ، وهي تزعم أنّ هناك قرابة بين الله سبحانه والجنّ ؛ وتستطرد في تلك الأسطورة فتزعم أنّه من التّزاوج بين الله ، سبحانه ، والجن ، ولدت الملائكة. ثمّ تزعم أنّ الملائكة إناث ، وأنهنّ بنات الله!
هذه الأسطورة تتعرض لحملة قويّة في هذه السّورة ، تكشف عن تفاهتها وسخفها ، ونظرا لأنّها هي الموضوع البارز الّذي تعالجه السّورة ، فإنها تبدأ بالإشارة إلى طوائف من الملائكة :
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣)).
ويتلوها حديث عن الشّياطين المردة ، وتعرّضهم للرّجم بالشّهب الثاقبة ، كي لا يقربوا من الملأ الأعلى ، ولا يتسمّعوا لما يدور فيه ، ولو كانوا حيث تزعم لهم أساطير الجاهلية ما طوردوا هذه المطاردة.
وبمناسبة ضلال الكافرين وتكذيبهم ، تعرض السورة سلسلة من قصص الرّسل : نوح وإبراهيم وابنه ، وموسى وهارون ، وإلياس ولوط ويونس صلوات الله عليهم جميعا ، تتكشّف فيها رحمة الله ونصره لرسله ، وأخذه للمكذّبين بالعذاب والتنكيل. ويمكننا أن نقسم سورة الصّافّات إلى ثلاثة موضوعات رئيسة :
١ ـ وصف الملائكة
ومشاهد الاخرة
يستغرق الموضوع الأوّل من السورة الآيات [١ ـ ٧٠].
ويتضمّن افتتاح السّورة بالقسم بتلك الطوائف من الملائكة :
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢)