المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «الصافات» (١)
قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)) هذه استعارة. والمراد بالقاصرات الطّرف هاهنا : اللواتي جعلن نظرهنّ مقصورا على أزواجهنّ. أي حبسن النّظر عليهم ، فلا يتعدّينهم إلى غيرهم. وجيء بذكر الطّرف على طريق المجاز. وإلّا فحقيقة المعنى أنهنّ حبسن الأنفس على الأزواج عفّة ودينا ، وخلقا وصونا.
وإنّما وقعت الكناية عن هذا المعنى بقصر الطّرف ، لأنّ طماح الأعين في الأكثر يكون سببا لتتبّع النفوس وتطرّب القلوب ، وعلى هذا قول الشاعر :
وإنّك إن أرسلت طرفك رائدا |
|
لقلبك يوما أتعبتك المناظر (٢) |
والطّرف هاهنا واحد في تأويل
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). البيت هو أحد بيتين أنشدتهما امرأة أمام أبي الغصن الأعرابي ، وكان قد خرج حاجّا ، فمرّ بقباء ، وإذا جارية كأنّ وجهها سيف صقيل. والقصة كاملة في الجزء الرابع من «عيون الأخبار» لابن قتيبة ، ص ٢٢. وفي «شرح شواهد الكشّاف» للعلامة محبّ الدّين ص ١٣٤ أنّه من أبيات «الحماسة» وفي «شرح الحماسة» للمرزوقي ج ٣ ص ١٢٣٨ ، لم يذكر اسم قائله ؛ وإنما اكتفى بقوله : وقال آخر. ولم يتعرّض العلّامة المرزوقي لتحقيق اسم هذا الشاعر أو الشاعرة ، وإنما اكتفى بشرح البيتين شرحا أدبيا. وهما :
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا |
|
لقلبك يوما أتعبتك المناظر |
رأيت الّذي لا كلّه أنت قادر |
|
عليه ، ولا عن بعضه أنت صابر |