المبحث الثالث
أسرار ترتيب سورة «الزّمر» (١)
لا يخفى وجه اتصال أولها باخر «ص» ، حيث قال سبحانه في «ص» : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧)) ثم قال هنا : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) [الآية ١] فكأنه قيل : هذا الذكر تنزيل. وهذا تلاؤم شديد ، بحيث أنه لو أسقطت البسملة لالتأمت الآيتان في السورتين كالآية الواحدة.
وقد ذكر الله تعالى في آخر «ص» قصة خلق آدم (ع) (٢) ، وذكر في صدر هذه قصة خلق زوجه ، وخلق الناس كلّهم منه ، وذكر خلقهم في بطون أمهاتهم خلقا من بعد خلق ، ثم ذكر أنهم ميّتون ، ثم ذكر وفاة النوم والموت ، ثم ذكر القيامة ، والحساب ، والجزاء ، والنار ، والجنة (٣). وقال جلّ وعلا : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)).
فذكر أحوال الخلق ، من المبدأ إلى المعاد ، متّصلا بخلق آدم المذكور في السورة الّتي قبلها.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، دار الاعتصام ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٨ ه : ١٩٧٨ م.
(٢). قصّة خلق آدم في ص في قوله تعالى :
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١)) [ص] إلى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)) [ص].
(٣). بدأ ذكر هذه الموضوعات في الزمر ، بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الآية ٦] ، وقوله سبحانه : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)) وقوله جلّ وعلا : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) [الآية ٤٢]. وقوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) [الآية ٧١] ، الى آخر السورة. فلو قدّمت الزمر على «ص» ، لاختل النسق القرآني الّذي أحكمه الله تعالى.