الحكماء أيضا ، فيهون عليه أمر كفرهم ، ولا يحزن لعنادهم وتعنّتهم ، وهذا هو وجه المناسبة بين هذه السورة وسورة الروم.
التنويه بحكمة القرآن
الآيات [١ ـ ١١]
قال الله تعالى : (الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢)) فذكر أنّ القرآن يشتمل على آيات حكيمة يقصد منها الهداية والرّحمة ، وأنه قد أصلح بذلك من حسنت طباعهم وأفعالهم ممّن يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويؤمنون بالآخرة ، ولم ينكر فضله في ذلك إلّا من قبح طبعه فأثر الاشتغال بلهو الحديث على الاشتغال بحكمته ، ثمّ أوعده على ذلك بما أوعده به من العذاب ، ووعد من آمن به بنعيم الجنّات ، وذكر أن وعده حقّ لا يتخلّف لأنه عزيز حكيم ، يعذّب من يعرض عن حكمته ويثيب من يقبل عليها بكامل قدرته ، ثم بيّن عزّته وقدرته بخلقه السماوات بغير عمد مشاهدة ، إلى أن قال : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١)).
بيان حكمة لقمان
الآيات [١٢ ـ ١٩]
ثمّ قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)). فذكر أنّه آتى لقمان الحكمة ، وأنه كان يدعو فيها إلى ما يدعو إليه القرآن من الإيمان بالله ، وطاعة الوالدين في ما يأمران به ، إلّا إذا أمرا بالشّرك ونحوه ، إلى غير هذا ممّا جاء في وصاياه لابنه ، وقد ختمها بقوله تعالى : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)).
الدعوة إلى ما اتفقت
عليه الحكمتان
الآيات [٢٠ ـ ٣٤]
ثمّ قال تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الآية ٢٠] ، فدعاهم إلى ما اتّفقت عليه الحكمتان من الإيمان به. وعاب عليهم أن يجادلوا فيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. والعلم إشارة إلى الحكمة المأثورة ؛ والكتاب إشارة إلى الحكمة