والحساب والجزاء. هذه هي القضية الّتي تعالجها السورة ، وهي القضية الّتي تعالجها سائر السور المكّيّة ، كلّ منها تعالجها بأسلوب خاص ، ومؤثّرات خاصّة ، تلتقي كلّها في أنّها تخاطب القلب البشري ، خطاب العليم الخبير ، المطّلع على أسرار هذه القلوب وخفاياها ، العارف بطبيعتها وتكوينها ، وما يستكنّ فيها من مشاعر ، وما يعتريها من تأثّرات واستجابات. في جميع الأحوال والظروف.
وسورة السجدة تعالج تلك القضية بأسلوب ، وبطريقة مغايرين لأسلوب سورة لقمان السابقة وطريقته. فهي تعرضها في آياتها الأولى ، ثم تمضي بقيّتها ، تقدّم مؤثّرات موقظة للقلب ، منيرة للروح ، مثيرة للتأمّل والتّدبّر ، كما تقدّم أدلّة وبراهين على تلك القضيّة ، معروضة في صفحة الكون ومشاهده ، وفي نشأة الإنسان وأطواره ، وفي مشهد من مشاهد اليوم الاخر حافل بالحياة والحركة ، وفي مصارع الغابرين ، وآثارهم القاطعة الناطقة بالعبرة ، لمن يسمع لها ويتدبّر منطقها.
«كذلك ترسم السورة صورا للنفوس المؤمنة ، في خشوعها وتطلّعها إلى ربّها ، وللنفوس الجاحدة في عنادها ولجاجها ، وتعرض صورا للجزاء الّذي يتلقّاه هؤلاء وهؤلاء ؛ وكأنّها واقع مشهود حاضر للعيان ، يشهده كلّ قارئ لهذا القرآن.
وفي كلّ هذه المعارض والمشاهد ، تواجه القلب البشريّ ، ممّا يوقظه ويحرّكه ويقوده إلى التأمّل والتدبّر مرّة ، وإلى الخوف والخشية مرّة ، وإلى التطلّع والرّجال مرّة ، وتطالعه تارة بالتحذير والتهديد ، وتارة بالأطماع وتارة بالإقناع ... ثمّ تدعه في النّهاية تحت هذه المؤثّرات ، وأمام تلك البراهين ، تدعه لنفسه يختار طريقه ، وينتظر مصيره على علم وعلى هدى وعلى نور» (١).
أفكار السورة ونظامها
تبدأ سورة السجدة بالحديث عن القرآن الكريم ، وتبيّن أنّه حقّ من عند الله ، وتبيّن قدرة الله وعظمته ، فهو خالق السماوات والأرض ، وهو
__________________
(١). في ظلال القرآن ، بقلم سيّد قطب ٢١ : ٩٢.