إثبات تنزيل القرآن
الآيات [١ ـ ٧]
قال الله تعالى : (الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)) فذكر سبحانه ، أنّه لا ريب في تنزيل الكتاب من عنده ، وأنّهم يزعمون أنّ النبي (ص) افتراه ؛ وردّ ذلك بأنّه جاء بالحقّ لينذر به قومه الّذين لم يأتهم نذير قبله ، ويهديهم إلى الإيمان بالله بعد أن ضلّوا عنه ؛ وهو الّذي خلق السماوات والأرض ، وما بينهما في ستّة أيّام ، إلى غير هذا ممّا ذكره سبحانه في الهداية إلى الإيمان به.
ثمّ ذكر لهم شبهة أخرى ، وهي إنكارهم ما أتى به ، من بعثهم بعد أن يصيروا ترابا ، ويضلّوا في الأرض ، ومن لقاء ربهم ليعاقبهم على كفرهم ؛ وردّ عليهم بأنّه لا بدّ من الموت ، ومن لقاء جزائهم بالبعث بعده ، فإذا حاسبهم سبحانه على كفرهم ، نكسوا رؤوسهم ، ودعوه أن يرجعهم إلى الدنيا ليؤمنوا فيها به ، فيجيبهم تعالى بأنّه لو شاء لهداهم في الدنيا ، ولكنه لم يشأ ذلك ، فلا سبيل إلى تغييره برجوعهم إليها ، ولا بدّ لهم من دخول جهنّم ، ولا بدّ لهم أن يذوقوا عذابها بما نسوا لقاء يومهم هذا ؛ ثمّ ذكر جلّ وعلا أنّ الإيمان لا يكون من قوم متكبّرين مثلهم ، وإنّما يكون من قوم إذا ذكّروا بآيات ربهم خرّوا سجدا ، وتواضعوا لمن يذكّرهم ، إلى غير هذا من صفاتهم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)).
أخذهم بالترغيب والترهيب
إلى الايمان به
الآيات [١٨ ـ ٣٠]
ثم قال تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨)) فذكر سبحانه أنه لا يمكن أن يكون جزاء من يصدّق به كجزاء من يكذّب به ، لدليلين : أوّلهما : أنّه لا يمكن في العقل أن يستوي المؤمن والفاسق في الجزاء ، فالمؤمنون لهم جنّات المأوى جزاء لهم ، والفاسقون مأواهم النار في الاخرة ، ولهم في الدنيا عذاب أدنى من ذلك ، بتسليط المؤمنين عليهم ؛ وثانيهما ، أنّه أتى موسى الكتاب فأظفر من آمن به على من كذّب به ، فلا يصحّ للنبي (ص) أن يشكّ في أنّه سيلقى من ذلك ، مثل ما لقي موسى (ع) ؛ ثمّ ذكر