وبتهديد المنافقين والّذين في قلوبهم مرض ، والمرجفين في المدينة ، بتسليط النبي (ص) عليهم ، وإخراجهم من المدينة كما خرج بنو قينقاع من قبل ، وبنو النّضير بعدهم ، أو القضاء عليهم كما وقع لبني قريظة ؛ وكل هذا يشير إلى أنّ هذه المجموعة كانت تؤذي المجتمع الإسلامي ، بوسائل شرّيرة ، خبيثة.
ثم ذكر السّياق من شرور هؤلاء الناس ، أنّهم كانوا يسألون النبيّ متى تكون الساعة على سبيل الاستهزاء والاستخفاف ، وأجابهم بأنّ علم الساعة عند الله ، ولوّح بأنّها قد تكون قريبا ، وأتبع هذا بمشهد من مشاهد القيامة حيث يتقلّب المجرمون في جهنّم ، ويتمرّغون في العذاب والندامة.
ثم تعقّب السورة بنهي المؤمنين عن إيذاء النبي (ص) ، حتى لا يكونوا كالذين آذوا موسى (ع) بالطعن عليه ، ثم برّأه الله وجعله نزيها وجيها.
تحمل الإنسان للأمانة
في آخر السورة نجد آية شهيرة تكشف عن جسامة العبء الملقى على عاتق البشريّة ، وعلى عاتق الجماعة الإسلاميّة بصفة خاصة ، وهي الّتي تنهض وحدها بعبء الأمانة الكبرى ، أمانة العقيدة والاستقامة عليها.
لقد عرض الله جلّ جلاله حمل الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، فأبين حملها لخطر أمرها ؛ وحملها الإنسان الّذي خلق مزوّدا بالإرادة والكسب والاختيار ، والقدرة على الطاعة والمعصية.
فالسماء والأرض والجبال والبحار والكون كلّه يخضع لله خضوع القهر والغلبة ، ولا يتحمّل التكاليف ، ولا يستطيع أن يتحمّل الأمانة والتكاليف الشرعية ، فيثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية ؛ إنّما الإنسان وحده الّذي ميّزه الله بالعقل والإرادة ، وكرّمه وفضّله بالكسب والاختيار ، له قدرة على الطاعة وقدرة على الظلم والجهل ، وقد استعمر الله الإنسان في الأرض واستخلفه فيها لعلمه ، أنه وحده هو الّذي يصلح خليفة عنه ، لما ركز في غرائزه وطبائعه من حبّ التّنافس ، والتّسابق في عمارة الأرض ؛ فمن أطاع الله من طائفة الإنسان فله