المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «التكوير» (١)
قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (٩) استعارة. والمراد ، والله أعلم ، أنها سئلت ، لا لاستخراج الجواب منها ، ولكن لاستخراج الجواب من قاتلها. ويكون ذلك على جهة التوبيخ للقاتل إذ قتل من لا يعرب عن نفسه ، ولم يأت ذنبا يؤخذ بجريرته. وقيل معنى سئلت أي طلب بدمها ، كما يقول القائل : سألت فلانا حقّي عليه ، أي طالبته به.
وإنّما سميت موؤودة للثّقل الذي يلقّى عليها من التراب ، وتقول : آدني هذا الأمر أي أثقلني. ومنه قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة / ١٥٥] أي لا يثقله ذلك ، كما يثقل أحدنا في الشاهد حفظ المتشعّبات وضبط المنتشرات.
وفي قوله سبحانه : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦) استعارتان ، فهما جميعا في صفة النجوم. فأمّا الخنّس فالمراد بها التي تخنس نهارا ، وتطلع ليلا. والخنّس جمع خانس ، وهو الذي يقبع ويستسرّ ، ويخفى ويستتر. وأمّا الكنّس فجمع كانس ، وهو أيضا المتواري المستخفي ، مشبّها بانضمام الوحشية إلى كناسها ، وهو الموضع الذي تأوي إليه من ظلال شجر ، وألفاف ثمر ، وجمعه كنّس.
فشبه سبحانه انقباع النجوم في بروجها ، بتواري الوحوش في كنسها.
وقوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨)
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.