المبحث الخامس
لكل سؤال جواب في سورة «الانفطار» (١)
إن قيل : لأي فائدة تخصيص ذكر صفة الكرم ، دون سائر صفاته ، في قوله تعالى : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الآية ٦]؟
قلنا : قال بعضهم : إنّما قال تعالى ذلك لطفا بعبده ، وتلقينا له حجته وعذره ، ليقول : غرّني كرم الكريم. وقال الفضيل رحمهالله : لو سألني الله تعالى هذا السؤال لقلت : غرّني ستورك المرخاة ؛ وروي أن عليا كرم الله وجهه صاح بغلام له مرات فلم يلبّه ، ثم أقبل فقال : مالك لم تجبني؟ فقال : لثقتي بحلمك وأمني عقوبتك ؛ فاستحسن جوابه وأعتقه. ولهذا قالوا : من كرم الرجل ، سوء أدب غلمانه. والحق أنّ الواجب على الإنسان أن لا يغترّ بكرم الله تعالى وجوده ، في خلقه إيّاه ، وإسباغه النعمة الظاهرة والباطنة عليه ؛ فيعصيه ويكفر نعمته اغترارا بتفضيله الأوّل ، فإن ذلك أمر منكر خارج عن حدّ الحكمة ، ولهذا قال رسول الله (ص) ، لمّا قرأها : غرّه جهله. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : غرّه حمقه وجهله. وقال الحسن : غره ، والله ، شيطانه الخبيث الذي زيّن له المعاصي ، فقال له : افعل ما شئت ، فإنّ ربّك كريم.
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [الآية ١٩] والنفوس المقبولة الشفاعة ، تملك لمن شفعت فيه شيئا ، وهو الشفاعة؟
قلنا : المنفي ثبوت النصرة بالملك
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.