الجبّارون يملكون أن يعذّبوا من خالفهم في الدنيا ، لكن العذاب اليوم في الآخرة لا يملكه إلا الله ، وهو سبحانه القهّار الجبّار. الذي يعذّب يومئذ عذابه الفذّ الذي لا يملك مثله أحد ، والذي يوثق وثاقه الفذّ ، ويشدّ المجرمين بالأغلال شدا لا يملك مثله أحد.
وعذاب الله ووثاقه يفصّلهما القرآن في مواضع أخرى ، وفي مشاهد كثيرة ، ولكنّه يجملهما هنا ، حيث يصفهما بالتفرّد بلا شبيه من عذاب الخلق جميعا ووثاقهم ، وكأنّ الآية تشير إلى ظلم عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد ، وتنبّه إلى أنّ عذاب الطغاة ووثاقهم للنّاس مهما اشتدّ في الدنيا ، فسوف يعذّب الطغاة ويوثّقون ، عذابا ووثاقا وراء التصوّرات والظنون.
وفي وسط هذا الهول المروّع ، وهذا العذاب ، والوثاق الذي يتجاوز كل تصوّر ، تنادى النفس المؤمنة من الملأ الأعلى :
[الآيات ٢٧ ـ ٣٠] : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (٣٠) ، ينادي الله ، عزوجل ، النفس الثابتة على الحق ، أن تعود الى جوار الله ، راضية عن سعيها ، مرضيّا عنها ، فتدخل مع العباد الصالحين ، ومع الرفقة المؤمنين ، حيث يدخلون جميعا جنة الله ، في تكريم ورضوان.
وفي هذا النداء الرّضيّ ما يمسح آلام هذه النفس ، وما يشعرها بالغبطة مع عباد الله ، وجنة الله ورضوانه ، فنعم الجزاء ، ونعم الثواب ، وحسنت مرتفقا.
خلاصة أهداف السورة
تشتمل سورة الفجر على الأهداف والمقاصد الآتية :
١ ـ القسم على أنّ عذاب الكافرين واقع لا محالة.
٢ ـ ضرب المثل بالأمم البائدة كعاد وثمود.
٣ ـ كثرة النّعم على إنسان ليست دليلا على إكرام الله له ، ولا البلاء دليلا على إهانته وخذلانه.
٤ ـ وصف يوم القيامة وما فيه من أهوال.
٥ ـ تمنّي الأشقياء العودة إلى الدنيا.
٦ ـ كرامة النفوس الراضية المرضيّة ، وما تلقاه من النعيم بجوار ربّه.