المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «البلد» (١)
في قوله سبحانه : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (٦) استعارة. وقد مضى نظير لها. والمراد باللّبد هاهنا المال الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض ، كما تلّبدت طرائق الشّعر ، وسبائخ (٢) القطن.
وقد يجوز أن يكون ذلك مأخوذا من قولهم : رجل لبد. إذا كان لازما لبيته لا يبرحه. وبه سمّي نسر لقمان لبدا ، لمماطلته للعمر ، وطول بقائه على الدهر. فكأنه قال : أهلكت مالا كان باقيا لي ، وثابتا عندي.
وفي قوله سبحانه : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) استعارة. والمراد بالنّجدين هاهنا الطريقان المفضيان إلى الخير والشر. والنّجد : المكان العالي ، وإنما سمّى تعالى هذين الطريقين بالنجدين ، لأنه بيّنهما للمكلّفين بيانا واضحا ليتّبعوا سبيل الخير ، ويجتنبوا سبيل الشر. فكأنه تعالى بفرط البيان لهما ، قد رفعهما للعيون ، ونصبهما للناظرين.
وقوله سبحانه : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) استعارة أخرى. وفسّر تعالى المراد بالعقبة ، فقال : (فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (١٤).
فشبه سبحانه هذا الفعل ـ إذا فعله الإنسان ـ باقتحام العقبة ، أي صعودها أو قطعها. لأن الإنسان ينجو بذلك
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). سبائخ القطن : ما تناثر أو انتفش منه. يقال : طارت سبائخ القطن. انظر «المحيط».