بالعقل والإرادة ، والحرية والاختيار. وقد بين الله للإنسان طريق الهدى وطريق الضلال ، وأودع في النفس البشرية أصول المعرفة ، والتمييز بين الحق والباطل ، فمن حمل نفسه على الاستقامة ، وصانها عن الشر ، فقد رزق الفلاح والسداد. ومن أهمل نفسه واتّبع شهواته ، وأرخى العنان لنزواته ، فقد خاب ، لأنه هوى بنفسه من سموّ الطاعة إلى حضيض المعصية.
[الآيات ١١ ـ ١٥] : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) (١٤).
ثمود : قوم من العرب البائدة ، بعث الله إليهم نبيّا اسمه صالح عليهالسلام.
بطغواها : بطغيانها.
انبعث : قام بعقر الناقة.
أشقاها : أشقى رجل في قوم ثمود ، وهو قدار بن سالف.
سقياها : شرابها الذي اختصّها به في يومها.
فعقروها : فذبحوها ، والعاقر واحد ، ونسب إليهم جميعهم لرضاهم به. دمدم عليهم : أطبق عليهم بالعذاب.
سوّاها : فسوّى القبيلة في العقوبة ، فلم يفلت منها أحد.
عقباها : عاقبة الدمدمة وتبعتها.
ذكرت قصة ثمود في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وقد ذكر هنا طغيانها وعتوّها على أمر الله ، وقد أعطى الله نبيهم صالحا الناقة آية مبصرة ، فكانت تشرب وحدها من الماء في يوم ، وتحلب لهم لبنا يكفيهم جميعا في ذلك اليوم ، ثم يشربون من الماء في اليوم التالي. وقد حذرهم رسول الله صالح من الإساءة إلى الناقة ، ولكنّهم خالفوا أمره ، وذهب شقي منهم فعقر الناقة ، ولمّا سكتوا عنه صاروا كأنّهم قد اشتركوا معه ، لأنهم أهملوا التناصح ، ولم يأخذوا على يد الظالم (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) (١٤) فأطبق عليهم العذاب ، وسوى الله القبيلة بالأرض ، أي دمر مساكنها على ساكنيها.
(وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥) أي أن الله أهلك القبيلة دون أن يخشى عاقبة ما فعل ، لأنه عادل لا يخاف عاقبة ما فعل ، قويّ لا يخاف أن يناله مكروه من أحد ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.