مع آيات السورة
كان المشركون ، كلّما اجتمعوا في ناد من أنديتهم ، أخذوا يتحدّثون ويسأل بعضهم بعضا ، ويسألون غيرهم ، فيقولون : أساحر هو أم شاعر ، أم كاهن ، أم اعتراه بعض آلهتنا بسوء؟ ويتحدّثون في شأن القرآن : أسحر هو ، أم شعر ، أم كهانة؟ ويقول كلّ واحد ما شاء له هواه ، والرسول سائر قدما في تبليغ رسالته ، وأمامه مصباحه المنير الذي يضيء للناس سبيل الرشاد ، وهو الكتاب الكريم. كما كانوا يتحدّثون في شأن البعث ، ويأخذ الجدل بينهم كلّ مأخذ ، فمنهم من ينكره البتّة ، ويزعم أنه إذا مات انتهى أمره ، وما هي إلّا أرحام تدفع ، وأرض تبلع (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ).
ومنهم من كان يزعم أنّ البعث للأرواح دون الأجساد ، لأنّ الأجساد تأكلها الأرض وتعبث بها يد البلى ؛ وربما لقي أحدهم بعض من آمن بالنبي (ص) ، فيسائله عن ذلك استهزاء وسخرية.
وفي هؤلاء وأشباههم نزلت هذه السورة ، للرّدّ عليهم ، وإقامة للحجّة على أن الله سبحانه قادر على أن يبعثهم بعد موتهم ، وإن صاروا ترابا ، أو أكلتهم السباع ، أو أحرقتهم النيران ، لأنّ الله أحصى كل شيء عددا ، وأحاط بكلّ شيء علما.
معنى الآيات
[الآيات ١ ـ ٣] : عن أي شيء يتساءل مشركو مكة؟ إنهم يتساءلون عن الخبر العظيم الشأن ، وهو البعث أو نزول الوحي على النبيّ الأمين ، الخبر الذي اختلفوا فيه ؛ فمن قائل إنه مستحيل ، ومن شاكّ فيه متردّد يقول ، كما ورد في التنزيل : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (٣٢) [الجاثية].
[الآيتان ٤ و ٥] : تردّ الآيتان على تساؤلهم وشكّهم ، بالتهديد الملفوف ، وهو أوقع من الجواب المباشر وأعمق في التأثير ، وتقول : فليزدجروا عمّا هم فيه ، فإنّهم سيعلمون عمّا قليل حقيقة الحال ، إذا حلّ بهم العذاب والنّكال ، وأن ما يتساءلون عنه ، ويضحكون منه حقّ لا شكّ فيه ، ولا ريب في وقوعه.
[الآيات ٦ ـ ١٦] : تنتقل الآيات من موضوع النبأ العظيم ، لتعرض أمام