المبحث السادس
لكل سؤال جواب في سورة «الليل» (١)
إن قيل : لم قال الله تعالى : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) (١٥) مع أن الشقيّ أيضا يصلاها : أي يقاسي حرها وعذابها؟
قلنا : قال أبو عبيدة : الأشقى هنا بمعنى الشقي ، والمراد كلّ كافر ، والعرب تستعمل أفعل في موضع فاعل ولا تريد به التفضيل ، وقد سبق تقرير ذلك والشواهد عليه في سورة الروم في قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الآية ٢٧].
وقال الزجاج : هذه نار موصوفة معيّنة ، فهو درك مخصوص ببعض الأشقياء ، ورد عليه ذلك بقوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) والأتقى يجنّب عذاب أنواع نار جهنّم كلّها ، والمراد بالأتقى هنا أبو بكر الصديق (رض) بإجماع المفسّرين ، ولهذا قال الزمخشري : إنّ الأشقى ليس بمعنى الشقي بل هو على ظاهره ، والمراد به أبو جهل أو أميّة بن خلف. فالآية واردة للموازنة بين حالتي أعظم المؤمنين وأعظم المشركين ، فبولغ في صفتيهما المتناقضتين ، وجعل هذا مختصّا بالصّلى (أي بالنار) ، كأن النار لم تخلق إلا له لوفور نصيبه منها ، وجاء قوله تعالى : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) (١٧) على موازنة ذلك ومقابلته ، مع أنّ كلّ تقي يجنّبها.
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.