العرض والخطاب كلّه ؛ ومن ثمّ تبرز شخصية خاصة للسورة حادّة الملامح ، متنوّعة في أساليب الخطاب ، متنقّلة من قسم إلى خبر إلى استفهام إلى أمر ، فذلك كلام الله ، ومن أحسن من الله حديثا؟
مع آيات السورة
[الآيات ١ ـ ٧] : يقسم الله تعالى بطوائف الملائكة ، يرسلهنّ بالمعروف والإحسان ، وأوامره الكريمة ، فيعصفن عصف الرياح مسرعات وينشرن شرائعه في الأرض ، فيفرقن بها بين الحقّ والباطل ، ويلقين إلى أنبيائه ذكرا يريد تبليغهم إيّاه ، عذرا للمحقّين ، ونذرا للمبطلين ؛ يقسم بهذه الملائكة على أن ما توعدون من مجيء القيامة واقع لا محالة.
وقيل إن القسم في هذه الآيات بالرّياح ، وآثارها في الكون ، ونشرها السحاب في الأفق.
وقيل إن القسم في الآيات الثلاث الأولى بالرياح متتابعة كعرف الفرس ، (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) (٢) الشديدة المهلكة ، (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) (٣) التي تنشر المطر ، فأقسم سبحانه بالرياح النافعة والضارة.
والقسم في الآيات [٤ ـ ٦] بالملائكة : فإنها تنزل بأمر الله على الرسل ، تفرق بين الحق والباطل ، وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار.
ولعل من إعجاز القرآن أنّ الآية تشير إلى معنى وتحتمل معنى ، وتستتبع معنى آخر ؛ ولعل هذا التجهيل والخلاف في مفهوم الآية مقصود لله سبحانه ، ليكون أثرها أقوى في النفس.
وقد ذكر ابن جرير الطبري تفسير هذه الآيات ، وعند تفسير (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) (٣) بيّن أن بعض المفسّرين قال هي الرياح ، وبعضهم قال : هي المطر ، وبعضهم قال : هي الملائكة.
ثم عقّب الطبري بقوله : «وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إنّ الله تعالى ذكره أقسم بالناشرات نشرا ، ولم يخصّص شيئا من ذلك دون شيء ، فالرياح تنشر السحاب ، والمطر ينشر الأرض ، والملائكة تنشر الكتب ، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له ، على أن المراد من ذلك بعض دون بعض ، فدل ذلك