المبحث السابع
لكل سؤال جواب في سورة «عبس» (١)
إن قيل : لم قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) ثم قال سبحانه وتعالى : (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (١٢) ، ولم يقل «ذكرها»؟
قلنا : الضمير المؤنث لآيات القرآن أو لهذه السورة ، والضمير في قوله تعالى (ذَكَرَهُ) (١٢) راجع إلى القرآن. وقيل راجع إلى معنى التذكرة وهو الوعظ والتذكير لا إلى لفظها.
فإن قيل : في قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١) روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ هذه الآية وقال : كل هذا قد عرفناه فما الأبّ؟ ثم قال : هذا لعمر الله التكلّف ، وما عليك يا عمر أن لا تدري ما الأبّ ، ثم قال : اتّبعوا ما تبيّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا ، فدعوه ؛ وهذا شبيه النهي عن تتبّع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته؟
قلنا : لم يرد بقوله ما ذكرت ، ولكنّ الصحابة رضي الله عنهم كانت أكثر هممهم عاكفة على العمل ؛ وكان الاشتغال بعلم لا يعمل به تكلّفا عندهم ؛ فأراد أن الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه ، واستدعاء شكره ، وقد علم من فحوى الآية أن الأبّ بعض ما أنبته الله تعالى للإنسان متاعا له ولأنعامه ، فكأنه قال : عليك بما هو الأهم ، فالأهم ، وهو الشكر على ما تبيّن لك ولم يشكل ، ممّا عدد من نعمه تعالى ، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأبّ معرفة النبات الخاص ، واكتف بمعرفته منه جملة إلى
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي ، مكتبة البابي الحلبي ، القاهرة ، غير مؤرّخ.