ذلك ، فقال الحي الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا ، كذا وكذا. فقال الآخرون : وقد قال شاعرنا في يوم كذا ، كذا وكذا. فقالوا : تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت ، فنادى هؤلاء : يا آل أوس ، ونادى هؤلاء : يا آل خزرج ، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال ، فنزلت هذه الآية ، فجاء النبي صلىاللهعليهوسلم حتى قام بين الصفين فقرأها ورفع صوته ، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون ، فلما فرغ ألقوا السلاح ، وعانق بعضهم بعضا ، وجعلوا يبكون (١).
وقال زيد بن أسلم (٢) : مرّ شاس بن قيس اليهودي ، وكان شيخا قد غبر في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، فمر على نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام ، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة ، فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد ، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار ، فأمر شابا من اليهود كان معه ، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. وكان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ، ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك ، فتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيين : أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس ، وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج ، فتقاولا ، وقال أحدهما لصاحبه : إن شئت رددتها جذعا ، وغضب الفريقان جميعا ، وقالا : ارجعا ، السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة ، وهي حرة ، فخرجوا إليها ، فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال : «يا معشر المسلمين ، أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، وألف بينكم ، فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا ، الله الله». فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا ، وعانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٤ / ١٥٥ ، وزاد المسير ، ج ١ / ٤٣١.
(٢) النيسابوري ، ٩٩ ـ ١٠٠ ، والسيوطي ٥٥ ، وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ، ج ٤ / ١٦.