ولا ريب أنّ مقتضى القاعدة المنع عمّا لم يعلم جواز العلم به من الأمارات ، وهي ليست مختصّة بما إذا شكّ في أصل الحجيّة ابتداء ، بل تشمل ما إذا شكّ في الحجيّة الفعليّة مع إحراز الحجيّة الشأنية.
فإنّ المرجوح وإن كان حجّة في نفسه إلّا أنّ حجيّته فعلا مع معارضة الراجح ،
______________________________________________________
وبعبارة أخرى : إنّ ما نحن فيه من مسئلة تعارض الخبرين هي من المسائل الأصولية ، لدوران أمر الأمارات فيه بين التعيين والتخيير ، فهي ، خارجة عن مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير بالنسبة إلى خصال الكفارة التي هي من المسائل الفرعية (ولا ريب أنّ مقتضى القاعدة) أي : مقتضى أصالة العدم الجارية في المقام هو : (المنع عمّا لم يعلم جواز العمل به من الأمارات) لأنّه يرجع إلى الشك في حجيّة تلك الأمارة ، والشك في الحجية مسرح عدم الحجية.
وعليه : فإنّ هذه القاعدة (وهي) قاعدة أصالة العدم التي ذكرناها هنا وقلنا بأنّها تقتضي المنع عما لم يعلم جواز العمل به من الأمارات (ليست مختصّة بما إذا شكّ في أصل الحجيّة ابتداء) كالشك في حجيّة الشهرة ، أو الاجماع المنقول ، أو ما أشبه ذلك (بل تشمل ما إذا شكّ في الحجيّة الفعليّة مع إحراز الحجيّة الشأنية) فإنّ الخبرين المتعارضين لا شكّ أنّهما حجّة شأنا ، وإنّما نشك في أن المرجوح هل هو حجّة فعلا أم لا؟ (فإنّ المرجوح وإن كان حجّة في نفسه) شأنا في ظرف عدم التعارض ، وذلك لأنه جامع لشرائط الحجية (إلّا أن حجيّته فعلا) مشكوكة (مع معارضة الراجح) له لفرض أن الراجح والمرجوح متعارضان وإذا كانت حجيّته مشكوكة فالأصل عدم حجية.