(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) كي يعمق وقع المشهد في حسهم ويثير الخجل والحياء من فعلهم المزري ، فهم يصعدون في الجبل هربا في اضطراب ورعب ودهشة ، لا يلتفت أحد منهم الى أحد ، والرسول ص وآله يدعوهم ـ بعدما صاح صائح ان محمدا قد قتل ، فزلزلت قلوبهم الخالية من الايمان الصحيح ، ولقد أعقب هول الهزيمة وذعرها سكون عجيب حينما سمعوا صوت رسول الله يوبخهم على هزيمتهم وفرارهم من الموت الذي يدركهم اينما كانوا ولو في بيوتهم ،
أما الطائفة الاخرى التي تثبت ولم تزحزها الرياح كايمانها الثابت ، فهم ذوو الايمان الصحيح ، فقد رفعوا وارتفعوا عند رجوع المنهزمين منكسين لرؤوسهم من الخجل والحياء والخزي والعار.
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) س ٨ / ١٦ ي
(وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ، فليس كالمحنة محك يكشف ما في صدور المنافقين. ويشرح صدور المؤمنين ، فهو الابتلاء والاختبار لما في الصدور (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
ولقد علم الله عزوجل دخيلة الذين انهزموا وفروا يوم التقى الجمعان في غزوة أحد أنهم انهزموا وتولوا بسبب ارتكابهم للجرائم ، فأصبحت نفوسهم مزعزعة ، قد دخلها الشيطان واستذلهم فنزلوا وزاغوا وسقطوا في مهاوي الخزي والعار ، واستحقوا العذاب بما أخلفوا ما عاهدوا الله عليه (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) وأولهم الشيخان.
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ).