في الاذعان لسواه وهذه اثار حكمته. ومنذا الذي يفكر في مخالفته وعصيانه ، وهو يرى ويسمع ويحس ويلمس اثار قدرته وعظمته. ومنذا الذي يرنو اليه الخوف والجزع من كل ما في الوجود بعد احراز رضاه. ودخوله في حصنه ومناعته ، وهو يرى وينظر ويحس ويبصر اثار عنايته في مخلوقاته قبل أن يعرفوه. ووابل نعمه وعطاياه قبل أن يعبدوه ، وبدون أن يسألوه. فالويل لمن يدعي أنه عرفه وهو يرجو سواه والخيبة لمن يدعي أنه أحرز رضاه وهو يخشى سواه. رحماك يا رب لا تؤخذنا بما فعل السفهاء منا انك رؤوف رحيم وعادل حكيم فنعم المولى ونعم النصير.
(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦))
ان هذه الآيات تشير بان المنافقين الذين ضرب الله لهم الامثال : مثل الذي استوقد نارا .. ومثل كصيب من السماء ... قد اتخذوا من ورودها منفذا للتشكيك في صدق الوحي بهذا القرآن ، بحجة أن ضرب الامثال هكذا بما فيها من تصغير لهم وسخرية بهم وتحد لهم لا تصدر عن الله عزوجل ، وان الله لا يذكر هذه الاشياء الصغيرة :
(كالذبابة ، والعنكبوت ، والذرة ، فجاءت هذه الآيات دفعا لهذا الدس ، وبيانا لحكمة الله تعالى في ضرب الامثال ، وتحذيرا لغير المؤمنين من عاقبة الاستدراج بها وتطمينا للمؤمنين وتقوية لايمانهم وتثبيتا لعزائمهم وعدم التفاتهم لمقال أعدائهم.
فكأن الله عزوجل يقول لهؤلاء السفهاء : فالله هو الذي خلق الصغير الصغير والكبير الكبير لغرض وحكمة قد تخفى على الكثيرين