وعند هذا البيان فيما سبق الكاشف لآثار الكفر والنفاق في الارض كلها يتوجه الخالق العظيم الى هذه الامم الشاردة ، والمنحرفة عن الصراط المستقيم الى مهاوي البلاء والدمار. ومهاوي الفساد والضلال ومهاوي العذاب والنيران يتوجه اليهم باستنكار كفرهم بالله الذي أوجدهم من العدم ومنحهم ما لا يحصى من النعم ولم يزالوا لعونه من المحتاجين. والى عنايته من الفقراء والمساكين ، والى تدبيره من المضطرين.
والكفر بالله تعالى في مواجهة هذه الدلائل كفر قبيح بشع ، مجرد من كل حجة أو سند والقرآن المجيد ، يواجه البشر المنحرفين عن فطرتهم بما لا بد لهم من مواجهته والاعتراف به والتسليم بمقتضياته.
يواجه القرآن هؤلاء الذين اعمت الجرائم بصائرهم بموكب حياتهم وأطوار وجودهم بما لا شك فيه أنهم كانوا أمواتا وفي عالم العدم فأوجدهم وأحياهم وكانوا في حالة الموات في طفولتهم فنقلهم منها الى حالة حياة ولا مفر من اعترافهم بهذه الحقيقة التي لا تفسير لها الا بالقدرة الالهية التي أوجدتهم وأوجدت فيهم الحياة وتعاهدتهم في جميع أطوار نشأتهم حتى وصلوا الى مرتبة النضوج والكمال والفهم والرشاد.
فمن الذي انشأ لهم هذه الحياة ، ومن الذي وهبهم الحواس والعقل والادراك.
ان طبيعة الوجود من العدم ظاهرة خاصة يشاركهم فيها الجماد ، وطبيعة الحياة ظاهرة أخرى يشاركهم فيها الحيوان ، وظاهر العقل والادراك ظاهرة يختص بها الانسان دون سواه ناهيك عن ظاهرة التربية والتطور الجسمي من عهد الولادة الى سن الرجولية ، وناهيك عن العناية التي تعهد الانسان في بطن امه وأخرجته سالما وهيأت له جميع أسباب الحياة والراحة وكل ما يحتاج اليه حتى وصل الى درجة النضوج