والعقل والرشاد. فمن أين أتت هذه الظواهر كلها لهذا الانسان الموجود.
انه لا جدوى من الهروب ومن مواجهة هذا السؤال الذي يفرضه لسان الحال ويلح على العقل والضمير. ولا سبيل لتعليل مجيء ذلك وحصوله الا بفرض قدرة خالقة ذات طبيعة أخرى غير طبيعه الموجودات بأسرها ، لانها كلها مفتقرة الى الموجد كالانسان تماما. فمن أين جاءت هذه الحياة التي تسلك في الارض سلوكا آخر متميزا على كل من في الوجود من أحياء وأموات ، وحيوان وجماد.
فلا محيص للجواب الصحيح المعقول الذي يرضى به العقل ويقنع به الوجدان. الا التسليم والاعتراف بان ذلك جاء من عند الله الخالق لجميع المخلوقات والموجودات وهذا هو الجواب الصحيح المعقول ، وهذه الحقيقة التي تواجه بها سياق الاستغراب وتوجه الاستفهام في قوله عزوجل : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) الخ كنتم أمواتا في العدم الاول وكنتم أمواتا من هذه الموات الشائعة من حولكم في الارض فانشأ فيكم الحياة فأحياكم (فكيف يكفر بالله من تلقى الوجود والحياة منه دون سواه (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) ولعل هذه لا تقبل المراء والجدال ، فهي الحقيقة التي تواجه الاحياء في كل لحظة وتفرض نفسها عليهم قهرا وجبرا. ومن المستحيل انكارها او الشك في وقوعها وحقيقتها (ثم يحييكم) وهذه يمكن التشكيك فيها من كثير من المطموس على قلوبهم وبصائرهم. (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وقد أبدوا استغرابهم من هذه الظاهرة باستنكارات عديدة.
فتارة قالوا (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) هذا هو الاستغراب الهائل منهم ولكن انظر الجواب ما أبسطه وأسهله الذي يستحيل انكاره من أدنى رشيد فاهم (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)