أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١))
لقد كشف القرآن المجيد عن علة كفر بني اسرائيل بتلك الآيات ، وهي تفرض نفسها فرضا على القلب المستقيم ، ولكن الفسق وانحراف الفطرة لا يسعها الايمان بالحق.
ثم يلتفت الى المسلمين ـ والى الناس عامة ـ منددا بهؤلاء اليهود كاشفا عن سمة من سماتهم الوبيئة ، وهو تعصبهم على الضلال والباطل ويكرهون أن يمنح الله شيئا لسواهم. وقد أخلفوا ميثاقهم مع الله تحت الجبل ، ونبذوا عهودهم مع أنبيائهم من بعد وأخيرا نبذ فريق منهم عهدهم الذي ابرموه مع النبي محمد ص وآله أول مقدمه الى المدينة. بينما كانوا هم أول من أعان عليه اعداءه وأول من عاب دينه وحاول بث الفرقة والفتنة في الصف المسلم : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) نبذ فريق منهم ذلك.
ولقد كان ضمن الميثاق الذي أخذه الله عليهم ان يؤمنوا بكل رسول يبعثه وان ينصروه فلما جاءهم ذلك نبذوه ونقضوا عهدهم مع الله تعالى. وفي الآية ما فيها من سخرية خفية يحمل ذلك النص ويدع الخيال يتملى هذه الحركة العنيفة حركة نبذ كتاب الله وراء ظهورهم ، ولا عجب من نكث العهد ونبذ الكتاب لكن العجب والاعجب نكث أهل السفيفة عهد الله ورسوله ونبذهم للقرآن المجيد وسنة الرسول وراء ظهورهم علنا وجهارا في أوقح صورة مخزية.
(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ