والقى موسى (ع) عصاه فتلقفت جميع ما سحروا. ووقعت المفاجأة الكبرى. وذهل السحرة مما رأوا وعاينوا ولم يبق لديهم ادنى ارتياب بان هذا من صنع الخالق لا من صنع المخلوق لأن صاحب المهنة خبير باهل مهنته (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى). انها اللمسة التي تصيب القلوب المتفتحة فتحييها كما تحيى الارض الميتة اذا اصابها المطر. انها لمسة الايمان للقلب الصالح للنور. متى اتصل بمادة الاضاءة. والاستنارة والحياة الروحية فتحول ذلك القلب الميت الى حياة والمظلم الى نور. فتخرجه من الكفر الى الايمان الصادق (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ .. قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) دونك وما تملكه في هذه الحياة ان سمح لك صاحب الحياة ومن بيده حياتك وموتك وحركتك وسكونك (انه من يأت ربه مجرما فان له نار جهنم) فاذا كان يتهددهم بعذابه فلا قيمة لذلك عند نار جهنم. وهزأت القلوب المؤمنة بتهديد الطغيان الجائر وواجهته بكلمة الايمان القوية وباستعلاء الايمان الثابت. وبتحذير الايمان النافع وبرجاء الايمان العميق (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ). ومضى هذا المشهد في تاريخ البشرية حجة كبرى على العالمين واعلانا لحرية القلب البشري حين يستنير انه مشهد انتصار الحق والايمان في واقع الحياة المشهود. وانتصار العقيدة في قلوب السحرة على الاحتراف. وانتصار الايمان في قلوبهم على الرغبة والرهبة. فالآن ينتصر الحق على الباطل والهدى على الضلال .. وينتصر الايمان على الطغيان في الواقع المشهود والنصر الاخر مرتبط بالنصر الاول. فما يتحقق النصر في عالم الواقع الا بعد تمامه في عالم الضمير (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا)
(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ