البيان : هذه التسبيحات في ملكوت الله يرتادها السياق بعد قصة النشأة الانسانية ، وبعد تصوير طرفي الرحلة ، وبعد الحديث عن اتباع الشيطان والاستكبار عن اتباع رسل الله عزوجل. ان اخلاص الدين لله وتقرير عبودية البشر له ، ان هي الا فرع من اسلام الوجود كله ، ومن ثم يتخذ المنهج القرآني من هذا الوجود مجاله الاول ، لتجلية حقيقة الالوهية ، وتعبيد البشر لربهم وحده. واشعار قلوبهم وكيانهم كله حقيقة العبودية لله وحده ، وتذوقها الحقيقي في استسلام الواثق المطمئن ، الذي يستشعر ان كل ما حوله وكل من حوله من خلق الله بيده وادارته وتدبيره في كل لحظة وحركة وسكون.
ان عقيدة التوحيد الاسلامية لا تدع مجالا لأي تصور بشري عن ذات الله سبحانه ،
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ .. فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ)
في كل لحظة تهب ريح وفي كل وقت تحمل الريح سحابا ، وفي كل فترة ينزل من السحاب ماء ، ولكن ربط هذا كله بفعل الله وحده كما هو في الحقيقة ـ هو الجديد الذي يعرضه القرآن المجيد هذا العرض المرتسم في المشاهد المتحركة كأن العين تراه.
ان التصور الاسلامي في هذا الجانب ينفي العفوية والمصادفة في كل ما يجري في الكون ابتداء من نشأته وبروزه الى كل حركة فيه وكل تعديل كما ينفي الجبرية ، الّا التي تصور الكون كأنه آلة قد فرغ منها صانعها الخلاق الخبير ، وأودعها القوانين التي تتحرك بها ثم تركها انه يثبت الخلق بمشيئته وقدرته ، ثم يثبت الناموس الثابت والسنة الجارية ، ولكنه يجعل معها القدر المصاحب لكل حركة من حركات الناموس. انه تصور حي ينفي عن القلب البلادة ، ويدعه أبدا في يقظة